جماهير صحار

حيث للجمهور معنى

ادبيات

من يستمع للشباب العماني ؟

‏من يستمع للشباب العماني ؟

مبارك بن خميس الحمداني
يشغل الحديث عن الشباب اليوم شأناً وطنياً لا يتجزأ وإن كان هذا الحديث يتأتي في سياق مناقشة القضايا الاجتماعية أكثر من مناقشة وضع الشريحة كتكوين ديموغرافي وثقافي واقتصادي واجتماعي بالنسبة لبنية المجتمع بشكل عام. فالناظر في شأن قضية الشباب في عمان يجد أن تطور القطاع الإداري وتطور الإهتمام الحكومي العام بشأن الشباب يأتي في إطار الاهتمام الشمولي بالمجتمع, أي أن قضية الشباب باتت تتأرجح في السياسات الوطنية بين كونها قضية مستقلة لها نقاشاتها ومؤسساتها ومنصاتها التي تناقشها في إطار خصوصيتها وفي إطار التحديات والآفاق التي تفرضها. وفي فترات أخرى كان النظر إلى قضية الشباب باعتبار هي قضايا المجتمع “وبالتالي فإن تمكين الشباب يأتي في إطار تمكين المجتمع.” بحيث لا يمكن “حصحصة” الجوانب التنموية سواء كان في مجالات السياسة أو الاقتصاد أو التنمية الاجتماعية وغيرها. بل أن كل فعل تنموي يأتي في اتجاه مجتمعي متكامل.
وإذا كانت الظروف والاستدعاءات والسياقات التاريخية قد فرضت هذا التأرجح فإن المرحلة الحالية لا تحتمل مناقشة وضع الشباب في الإطار العام للمجتمع, ذلك أن هذه الفئة بات تخلق شروطها وقواعد وجودها الاجتماعي الخاص, بالنظر إلى اعتبارات التكوين الديموغرافي وتشكيل الشباب لنسبة كبيرة من تعداد المجتمع وهرمه السكاني, وبالنظر إلى التطور العمودي في مستويات التعليم في أوساط الشباب, وللقوة الاقتصادية التي غالباً هي معطلة لدى فئات كثيرة من الشباب العماني وبالنظر أيضا إلى تحديات العالم المتغير وشرطيتها التي يعيشها ويعايشها الشباب في عالم اليوم.
ولقد كنت قبل أيام في حوار إذاعي ناقشنا فيه وضع الشباب العماني وعلاقته بالتنمية المستدامة في ضوء تقرير التنمية الإنسانية العربية 2016 والذي جاء بعنوان “الشباب وآفاق التنمية في عالم متغير” وقد حاولنا فيه استقراء معطيات التقرير وإسقاطها على الواقع العماني وخلص النقاش إلى أن معطيات الواقع الشبابي العماني تحتاج إلى إحداث النقلة النوعية التي يطالب بها التغيير حيث يشير إلى ضرورة إلى أنه “عملياً يستوجب تمكين الشباب إدخال تغييرات جذرية في البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تتسبب في إقصائهم, وينبغي لتلك التغييرات لأن توسع فرص مشاركة الشباب وانخراطهم في المجال السياسي الرسمي, وأن تنشط اقتصاداً كلياً قادراً على انتاج فرص العمل اللائق للشباب وتعزيز قدراتهم على ريادة الأعمال, وأن يرسخ في المنظومة الاجتماعية أسس العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص, ويتصدى لكل الممارسات التمييزية على أساس الهوية أو العقيدة أو النوع الاجتماعي.”
وعلى مستوى الواقع العماني كانت النقاش الوطني الموسع الذي صاحب استضافة معالي وزير القوى العاملة تحت قبة مجلس الشورى والذي أفرز إشكالات وفتح ملفات يتصدرها ملف الشباب والتشغيل والتمكين الاقتصادي كان هذا النقاش أنموذجاً واضحاً لهواجس الشباب ولعل ما دار من نقاشات جادة وحادة في أروقته تعبر عن أن هذه الكتلة الشبابية أصبحت اليوم كتلة هاجس مطروح يفرض على  الدولة التعامل معه بإحدى مسارين أثنين : إما التعامل معه كشريك تنموي وبالتالي استحداث آلياتها واستراتيجياتها الوطنية الموجهة للشباب وليس فقط مجرد التعامل مع هذا القطاع بنظرة مجتزأة تلفها البرامج الترفيهية, وأنشطة الإلهاء وسد أوقات الفراغ وغيرها من الشكليات الموجهة إلى قطاع الشباب. أو الخيار الثاني بالنظر إلى الشباب كـ عبء على التنمية دون أن يكونوا مشاركين كأدوات وغايات في مسيرتها وهو ما ترفعه الدولة اليوم كشعار ولا نجد له دلالات واقعية وتطبيقية نستطيع تلمسها كمؤشرات على أن الشباب مشارك حقيقي وفاعل في مسيرة التنمية إلا من خلال القنوات والوسائل المعتادة والتقليدية وهو الواقع الذي لا يستثمر في الطاقة الاقتصادية والمعرفية التي يشكلها الشباب والأدوات التي يمتلكونها للتغيير.
ولقد واجه الشأن الشبابي في عمان تحديداً منذ أن تم بعثرة القطاع الشبابي وإنشاء وزارة الشؤون الرياضية بوصفهاً جهازاً تنفيذياً معني بالرياضة بالدرجة الأولى ثم المناشط الشبابي واجه هذا القطاع تحديات وتساؤلات جمه. على مستوى القنوات النافذة للشباب لتحقيق ذواتهم في المجتمع, وحتى على مستوى الخطط والبرامج الموجهة للشباب, بحيث أنه لم يعد هناك هوية واضحة لاستهداف القطاع الشبابي بالبرامج والأنشطة والخطط الوطنية, وإنما باتت الفعاليات والأنشطة والبرامج مجرد اجتهادات وقتية لزمانها تنتفي مدلولية أثرها بمجرد إنتهاءها فيما عدا بعض البرامج المتعلقة بالرفد الاقتصادي للشباب والتي تدفعهم لتأسيس مشاريعهم الصغيرة والمتوسطة. إلا أنه حتى هذه البرامج لا يمكن الحكم بنجاحها مالم تحدث أثراً ملموساً ورقمياً على مستوى الاقتصاد العماني, حيث أن الهدف ليس فقط تخفيف العبء على سوق العمل من الباحثين الشباب عن عمل. وإنما أن تكون أيضاً هذه المشاريع رافداً اقتصادياً يساهم في بلورة أفكار اقتصادية جديدة ومستحدثة وصولاً إلى سوق اقتصادي حر تتنوع فيها المبادرات والأفكار وتتعدد فيه الخدمات لغاية الوصول إلى حالة الاكتفاء الاقتصادي القائم على أفكار الشباب وتوجهاتهم. كما أن هذا التوجه لابد أن يكون مصحوباً ببعد ثقافي وببنية معرفية تساهم في دفع الشباب نحو الاستفادة من مثل هذه المشاريع والبرامج. أي أن تكون ثقافة تأسيس المشاريع والاتجاه إلى ريادة العمل ثفافة تكوينية لدى أوساط الشباب العماني تساهم في تأسيسها مؤسسات التعليم بدعم من مؤسسات الإعلام ونشاط فاعل من مؤسسات وجمعيات المجتمع المدني, وهذا الأمر اليوم مفقود نسبياً فبحسب استطلاعات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات فإن أكثر شريحة من الشباب تفكر اليوم في الإتجاه نحو ريادة الأعمال وتأسيس مشاريعها الخاصة هي فئة المشتغلين بينما أقل فئة تفكر في هذا الإتجاه هي فئة طلبة التعليم العالي بمراحله المختلفة, وهو ما يعني أن التعليم ومؤسساته لايحدث الأثر الملموس والمرتجى في تكوين ثقافة الشباب نحو التوجه لريادة الأعمال والنشاط الاقتصادي الحر, خصوصاً في ظل كون هذه الفئة هي الفئة التي ستفرض تحدياتها على المجتمع خلال السنوات القادمة بعد تخرجها من مؤسسات التعليم في مراحلها المختلفة.
وإذا كانت قضية الشباب والبحث عن عمل هي الهم المؤرق بالنسبة للواقع الشبابي اليوم فأن في اعتقادي أن الهاجس الأكبر ليس في القضية نفسها وإنما في استتباعاتها في ضوء الواقع المتغير الذي يعيشه الشباب. فالشباب اليوم لم يعد ذلك المتلقي السلبي الذي يتمشى مع الوقائع التي يفرضها الوضع الاقتصادي والإداري بصورة سلبية. بل أصبح يخلق مجاله العام للنقاش والتفكير بصوت عال حول قضاياه. وهذه الأزمة لا تتجسد فقط في انتظاره لفرصة العمل التي يبحث عنها, وإنما النظر برؤية نقدية للخطط والبرامج وآليات التسيير والتدبير والسياسات القائمة في هذا الشأن. ذلك أن العقلية باتت مختلفة, وهذا يقودنا إلى الحديث عن أهم تحدي – في تصوري – يعيشه الشباب العماني اليوم وهو ليس في المشكلات الاقتصادية والتشغيلية أو مشكلات التعليم والتأهيل وغيرها وإنما هناك مشكلة محورية تتجلى في السؤال (من يستمع للشباب العماني ؟ ) وأقصد بالاستماع هنا القنوات الحقيقية القادرة على مناقشة واقع الشباب وبلورة احتياجاتهم لخطط وبرامج واستراتيجيات وطنية تساهم في تغيير واقعهم والدفع بهم لحراك أكبر في مسيرة التنمية المستدامة, إننا نعرف الكثير من الأرقام عن الشباب العماني, أعداده وتكوينه الديموغرافي, نشاطه الاقتصادي وتكوينه التعليمي … الخ من الأوضاع المعاشة. ولكننا نفتقد إلى المعرفة الحقيقية بآراء الشباب العماني وتوجهاتهم كما نفتقد لمعرفة تكوين (عقلية الشباب العماني) وتكوين (الشخصية الاجتماعية) بما ترتكز عليه من قيم محورية, وبالآفاق التي تفتحها للتواصل مع مفردات محيطها, وبنظرتها إلى واقعها المعاش وكيف تقيم صورتها الاجتماعية والحضارية, وكيف تنظر إلى مستقبلها, وما هي بواعث القلق الاجتماعي الذي يكتنف هذه الشخصية ويسيطر عليها ؟ , وغيرها من التساؤلات العميقة التي تستحق الدرس والتقصي.
وبالنظر إلى أن “مواقف الشباب واتجاهاتهم تعتبر الأساس في حركة التغيير الاجتماعي من حولهم, وبالتالي تصبح هذه المواقف والاتجاهات المسؤولة الأولى عن صياغة الصورة المستقبلية لمجتمعاتهم وتشكيلها.”فإن هذه المواقف والاتجاهات إذا ما تم رصدها بالنقاش والبحث الموسع فإنها ترسم لنا خارطة الطريق لمعرفة حركة التغيير الاجتماعي في المجتمع, كون أن الشباب هو الجيل المتحرك عبر الحقب الزمنية بشكل أساسي والقادر في نفس الوقت على إحداث التغيير المجتمعي. وهذا الأمر مفقود نسبياً لدينا في عمان فحتى البرامج واللجان التي توجه نحو هذا الصدد مع خالص التقدير لجهودها تعمل على اجتهادات وقتية لا تمس تغيير واقع الشباب وإسهامهم بتلك الفاعلية المرتجاة أو الجهد المطلوب. فإذا ما جئنا على مستوى التمثيل البرلماني مثلاً. إذا كان التوجه نحو وضع سن العضوية لمجلس الشورى بعمر لا يقل عن الثلاثين عاماً فلماذا لا تكون عضوية المجالس البرلمانية مخفضة إلى سن 25 عاماً لضمان مشاركة سياسية أوسع من الشباب كونهم الأكثر احتكاكاً ووعياً على الأقل بشؤون أقرانهم وبمتطلباتهم من التنمية البلدية والمشاريع التي تخدم وجودهم الاجتماعي, أو لماذا لا يوجد على الأقل مجلس شبابي أعلى ينتخب من أوساط الشباب ويتصل بشكل مباشر بالسلطة التنفيذية في البلاد لضمان مناقشة الشأن الشبابي من القضايا والمتطلبات وإيجاد البرامج المناسبة لتداركها وتطويرها, ولماذا لا توجد سياسة وطنية مكتوبة للشباب في عمان تحمل في مضمونها مجموعة من التوجهات والبرامج التي تضمن فاعلية المشاركة التنموية للشباب خلال مدى معين من الزمن.
الشباب العماني اليوم أحوج ما يكون إلى تلك القنوات التي تضمن وصول صوته, ويحتاج إلى أن تكون البرامج الحكومية والخطط الموجهة لتنمية هذا القطاع قائمة على تخطيط وجهد الشباب أنفسهم. فإذا كانت الحكومة عبر كافة غرفها وقطاعاتها هي من ستتولى شأن التفكير والتخطيط عن الشباب وللشباب فإن ذلك ينبئ بثمة انفصام بين هذه الخطط والتوجهات وبين الواقع المعاش. وهو ما لا نرجوه خصوصاً في ظل كون الشباب طاقة وطنية تتجدد آفاقها وتتطور معارفها وأدواتها بشكل دائم ومستمر.