جماهير صحار

حيث للجمهور معنى

أخبار صحار ادبيات

التقاطات من رحم ميكونو


التقاطات من رحم ميكونو
‏مبارك بن خميس الحمداني

‏بادئ ذي بدء حمدلله على سلامة ثغر عُمان الباسم في جنوبها من تداعيات الحالة المدارية التي أبقت قلوب العمانين قبل أجسادهم يقظة لأيام ارتكن فيها الجنوب بتفرده وتميزه وأصالته في حجيرات القلب خوفاً وقلقاً ودعوات جابت عُمان من أقصاها لأقصاها. عبرت الحالة المدارية بأضرار أقل نسبياً وبمنظومة إدارة مؤسساتية أكفأ وبتلاحم مجتمعي أكثر اتساقاً ووعياً. عبرت مداها بأقل تكلفة على المستوى المادي والبشري نتيجة عوامل رئيسة صاغت معادلتها (منظومة تنبؤ واستجابة فاعلة مؤسساتية ومجتمعية مع الأزمة – استراتيجية اتصالية بناءة للتعامل مع الأزمة وأكثر قرباً وتفاعلاً مع أصحاب المصلحة – اتساق في الوعي المجتمعي واستجابة مع العمل المؤسساتي) أفرزت تلك المعادلة درع حماية وطني فعال في مجابهة ميكونو والقلق والتداعيات التي خلقها في الوسط العُماني قاطباً.
‏في هذا الطرح ألتقط ثلاثة ألتقاط رئيسية من رحم ميكونو قد لا يكون بينها متصل ولكن أجدها في تقديري دلالات لسياقات وجب التنبه إليها:

‏التقاطة أولى: حينما نفخر بمسألة إدارة الأزمة التي تعاملت مع الحالة المدارية الراهنة فبالتأكيد نحن نشير مباشرة إلى التراكم الخبراتي الذي ولدته أزمة إعصار جونو وفيت اللتان عبرتا السلطنة وأنضجت منظومات التعامل سواء على مستوى الرصد والتنبؤ أو على مستوى الدفاع المدني والإعانة والإغاثة أو على مستوى حصر ورصد الأضرار والتعامل معها. ولكن في ذات الوقت من المتوجب الإشارة إلى أن هذه المنظومة التي أثبتت وجودها اليوم تقوم على كفاءات وطنية فاعلة ومتخصصة صقلتها المعارف ومُكنت في مؤسساتها تمكيناً نوعياً أسهم في قدرتها على استثمار المعارف والمهارات والأطر العلمية مدفوعة بالرغبة الوطنية في مواجهة الأزمة. نشير هنا إلى موقف آخر تثبت فيه الكفاءات الوطنية ذاتها مدنياً وعسكرياً. أليس حرياً بنا إعادة النظر في تمكين هذه الطاقات واستثمارها وإن كان الموقف هنا جزئياً فالكثير من المشاريع والمنجزات الوطنية التي تحققت مؤخراً وقفت خلفها هذه الكفاءات بجدارة وفاعلية.

‏التقاطة ثانية: يتداول البعض عن أن الإشادة بعمل المؤسسات الرسمية المدنية منها والعسكرية مع الحالة المدارية وتفاعل المجتمع مع ذلك نوعاً من “التضخيم” وأن ذلك جزء من أدوارها الطبيعية في إطار منظومة عمل مؤسسات الدولة. وهنا نقول أن المسألة تأخذ اعتبارين أساسيين: الأول أن هذه الإشادة مرتبطة بصورة أساسية بالتعامل مع حالة استثنائية نسقت الجهود لها في وقت قياسي فارق. وأن الاختبار الحقيقي لكفاءة أي مؤسسة إنما يتضح على محك الأزمات والخروج منها بأقل الأضرار وكذا الحال بالنسبة للدولة بشكل عام. الاعتبار الآخر مرتبط أيضاً بمسألة الصورة الذهنية المصدرة عن البلد ومؤسساته في التعامل مع الأزمات وهذه الصورة مرتبطة باعتبارات اقتصادية وسياحية وتترتب عليها تبعات عديدة خصوصاً في حالة ظفار التي تعتبر حاضرة سياحية مركزية ترفد الإقتصاد في موسمها السياحي وتستقطب أفواج من مختلف دول العالم. وعليه فإن تصدير المجتمع عبر مختلف وسائط التواصل وخصوصاً وسائل التواصل الاجتماعي لهذه الصورة الإيجابية عن كفاءة عمل وتجاوب هذه المؤسسات مع الأزمة من شأنه أن يشكل صورة ذهنية إيجابية تقلل التبعات الاقتصادية والتأثيرات المحتملة على السياحة في المحافظة. خصوصاً إذا ما علمنا ان العديد من الدول اليوم أصبحت في سياق الاستثمار فيما يعرف بتصدير الصورة الذهنية وتدفع مقدرات هائلة من ميزانياتها لهذا الغرض. يقول (سوبونسكي): “السبب الرئيسي للاستثمار في إدارة الصورة الذهنية هو الحصول على الميزة التنافسية, حيث أن الصورة الذهنية الجيدة تجذب الاستثمارات والمستهلكين واستقطاب نوعية جيدة من الموظفين”. وفي حالتنا فإن المجتمع نجده قد تكفل بفاعلية في خلق هذه الصورة واستدامتها.

‏التقاطة ثالثة: من المهم أيضاً تطوير كفاءة إدارة الأزمات. لا نعتبر أن ما تحقق في إدارة أزمة الحالة المدارية الراهنة هو الإجادة التامة. وإنما تتشكل الإجادة التامة في الوصول إلى الحالة الصفرية من الأضرار والتبعات للأزمة وهذا يتأسس على التنقيب على النقاط المغفلة في التنبه إليها في منظومة إدارة الأزمة. وإن كان هناك فارقاً كبيراً بين الاستجابة المؤسساتية بين جونو وميكونو فإن التعزيز مطلب أساسي يرفده البحث العلمي والدراسات المقارنة التي تدقق في استراتيجيات الإدارة وتتقصى نقاط القوة والضعف في كلاً منها. لتشكيل تراث نظري بحثي حول منظومة إدارة الأزمات في السلطنة خصوصاً أن هذا الجانب على المستوى البحثي لا زال متواضعاً. هذا الإرث يمكن أن يكون مرجعية نظرية للفهم والتفهم وبناء الاستراتيجيات لأي أزمات قادمة أياً كان منشأها طبيعي أم بشري.

‏ختاماً نقول: حفظ الله عُمان وأهلها. وجنبها الكوارث. وأدام أمنها وسلمها ورخاءها واستقرارها.