قابوس .. عيدُ صُحار (٢) !!
بقلم : مهدي بن درويش اللواتيا
#صحاريات
الإستثناءْ أن تكونَ أنتَ كأنت لا كما يراكَ الآخرون فقط.. هكذا صحار في ثاني أيام عيد الفطر.. تمشي الهُوينا على طريقها البحري لتصل إلى قلعة صحار التاريخ.. خرجت بكل أطيافِها وألوانِها وبكل فخرٍ تقول بصوتٍ واحدٍ: “كلُّ عامٍ وأنتَ بخير”..
يختارون التاريخ مكانًا ليبدء الصوتُ من هناك.. وتحت ظلِّ تلك الشجرة شرقَ منصةِ القلعة.. وتسمع أصواتَهم نخلتان شاهدتانِ على التهاني بالعيدِ شمال المنصة.. وفي الجنوب يردد الجامعُ معهم ذات الصوت.. ومن الغربِ صدى أصواتِهم في بيوتات (الحجرة).. وكأن هذه الاتجاهات بوصلةٌ لهم يُبحرون بها من التاريخ الضارب في العمق إلى الحداثةِ التي يعيشون فيها اليوم.. بصوتٍ يتردَّدُ في كل الإتجاهات ليسمعه الوطن: “كلُّ عامٍ وأنتَ بخير”..
هذه الأيديولوجيا المكتَنَزةِ في القلوبِ قبل الأفكارِ.. تَنُمُّ عن وعيٍ راسخٍ ويقينٍ لا يغيب عن تفاصيلِهم اليومية.. يجتمعون في ثاني أيام العيد عصرًا بأهازيجهم وعازيهم وتراثهم بخيولهم ونوقِهم.. يحتفلون ويفرحون ويفتخرون بانتمائهم العمانيِّ الصحاريّْ..
أصواتُهم المُغلَّفةِ بالحبِّ والعرفان والولاء لقائد عمان الفذ.. والأب الحنون الذي عاش لهم وفيهم منذ فجر النهضة وما قبلها إلى اليوم.. يَرُدُّون شيئًا من جميلٍ لهذا القائد.. ولسانُ حالِ قلوبِهم ما زال ولا يزال يُردِّدُ: “كلُّ عامٍ وأنتَ بخير”..
تتكاتفُ القلوبُ لتوزَّع حلوى العيدِ على كل صحار.. من هناكَ إلى بوابة الشرقِّ لتمرَّ بجامع السلطان قابوس الذي سيحتضن أمسيةً شعريةً في ثالث أيام العيد مع مجلس شعراء صحار لتصل أشعارُهم إلى بوابةٍ أخرى مقابلةٍ للجامع.. بوابةُ البهجةِ التي يقطن فيها العيد وصحار وتعيشُ فيها كل التهاني والتبريكات بالعيد السعيد.. أصواتٌ تصدحُ بها الحناجرُ والقلوب والأرواح التي تُحلِّقُ بكل أريحيةٍ وعفويةٍ من الشيوخِ والأعيانِ والصغارِ والكبارْ.. من المرأةِ الأم والأخت والبنت الصحارية.. من الأطفال والشباب.. لتضُجَّ صحارُ بصوتٍ واحدٍ ونَفَسٍ واحدٍ: “كلُّ عامٍ وأنتَ بخير”..
ومن قلوبِ الجميع تسمع الدعوات التي لا تُغادرُ الشفاة.. فواحدةٌ بالعمر المديد.. وأخرى بالصحة والعافية.. وثالثةٌ بالحفظ من كلِّ مكروه.. لتُكَوِّنَ فسيفساءً في لوحةٍ وطنيةٍ عذبةَ الملامح.. مرصَّعةٍ بالخناجرِ والعِصِيّْ والتيجانِ العُمانيةِ مُعتمرةً تلك الرؤوس الشمَّاءِ بكل ألوان الحب والعرفان والولاء لصاحبِ الجلالةِ سلطانَ البلادِ المعظم..
وذات القلوب تُردِّدُ بـ”آمينَ آمينَ” مع كل دعوةٍ في هذا العيدِ المُستثنى عن كلِّ الأعياد..
هكذا ترى صحارُ شيئًا من “قابوس .. عيدُ صُحار” وما زال الصوتُ وصداهُ يخترقُ الحُجُبَ والأثيرَ لتعيش صحارُ.. كلَّ لحظةٍ.. وكلَّ نَفَسٍ.. وكلَّ تفاصيلَ: “كلُّ عامٍ وأنتَ بخير” في هذا التشريف السامي لأرض صحار الحضارة والتاريخِ والحب والولاء والعرفان..