جماهير صحار

حيث للجمهور معنى

ادبيات

كيف نقرأ جمهور صحار ؟!

  
كتبه :مبارك بن خميس الحمداني

اليوم قد لا نضيف جديداً حين نتحدث عن جمهور صحار (كظاهرة) رياضية أشغلت الوسط الرياضي العماني بتميزها في السنوات الأخيرة وأصبحت أيقونة بارزة في مشهد كرة القدم العمانية (المتهالك), بل وبات هذا الجمهور في بعض الأحيان هو (كبسولة) الأمل على المستوى الداخلي من خلال إشعال حماسة المباريات واستفزاز الفرق الأخرى وجماهيرها لصنع حراك جميل في إطار وضع كروي عماني يحتضر يوماً بعد يوم.

لا نضيف جديداً لأن هذا الجمهور أخذ مساحته من النقاش والتداول والدرس في مساحات الإعلام الرياضي والإعلام الاجتماعي. بل أن المدقق في الإحصاءات التي توفرها مواقع التواصل الاجتماعي لو اجتهد قليلاً في تحليل (المنابر النقاشية /الهاشتاجات) التي تشغل الرأي العام الافتراضي لوجد أن الهاشتاجات التي يصنعها هذا الجمهور ربما تشكل وزناً نسبياً قوياً في هاشتاجات العالم الافتراضي العماني. لدرجة أنه صح أن نقول ما كان يطلق على جمهور الاتحاد هناك في المملكة العربية السعودية بأن (جمهور الاتحاد له جمهور) أصبحت مقولة شبه صائبة اليوم على جماهير الأخضر الصحراوي.

 

لست أكتب لأكرر أسطوانة مديح جماهير صحار. ولكن هذا النص يأتي محاولة للفهم والتفهم لهذه الظاهرة الرياضية استناداً إلى أسس وروابط علائقية أكثر بعداً وعمقاً من حسابات الفوز والخسارة والمنافسة الرياضية والبطولات التي يحضر فيها الفريق بجمهوره.. نتساءل : لماذا هذا الارتباط الوثيق بين صحار وجمهوره رغم أن الفريق في موسمين سابقين في دوري المحترفين العمانين لم يقدم المستوى الذي يشفع لنصف عدد هذا الجمهور بالحضور قياساً بالوضع الجماهيري العام لدينا في السلطنة..؟

بل وفي الموسم المنصرم ومع تزايد إخفاقات الفريق واقترابه من شبح الهبوط كان الجمهور يتزايد أكثر فأكثر.. وفي هذا الموسم برغم اتجاه إدارة النادي إلى المراهنة على الأسماء الشابه التي يلعب غالبيتها مباريات رسمية لأول مرة نلاحظ أن الجمهور أصبح لا يكتفي فقط بالحشد وتوسعة نطاق الحضور, بل أصبح يبتكر من الآليات والفنيات للمدرج أولاً ما هو جديد وغير معهود في ساحة التشجيع العماني, إضافة إلى خروجه خارج (المستنقع) باستفزاز جماهير الفرق الأخرى والرهان على الذات والحضور والوقوف رأساً برأس في مجابهة فرق تتغنى بأن لها قواعد شعبية وجماهيرية أكثر اتساعاً من جمهور صحار.

 

صحيح أن هناك عمل منظم تقوم به بعض المجالس وتؤسس له بعض الشخصيات الداعمة وتحركه بعض المجموعات الشبابية الفاعلة في الولاية, لكن هذه النماذج برغم الجهد الوافر الذي تبذله إلا أنها ليست كل شيء في خلق هذا المشهد. ففي تقديري أن هناك معادلة (خافتة) تقف خلف هذا الحراك الجماهيري وتحركه وتدفعه مستفيدة من العوامل المذكورة أعلاه كعوامل دفع لتشكيل الصورة العامة. وهذه المعادلة تتلخص في أن هذا الجمهور في الأساس جمهور صاحب (هوية), وحينما نتحدث عن هذه الهوية فإننا نقصد بالتحديد مجموعة من الإعتبارات المهمة من الممكن سردها على النحو الآتي :

 

• أولاً : يتضح أن علاقة هذا الجمهور بالمدرج ليست علاقة (نتيجة), فهي علاقة خارج أطر الربح والخسارة وخارج محددات الانتصار والهزيمة, وهذه ثقافة أن يكون الجمهور (قاعدة شعبية) وليس (قاعدة جماهيرية), فالقاعدة الشعبية تشعر في علاقتها مع المؤسسة الرياضية التي تنتمي إليها إنها علاقة اجتماعية خالصة لها محدداتها ولها قواعدها التي يمكن أن تضمر بدواخلها قواعد الثواب والعقاب غير المباشر, أي الذي لا يؤثر بصورة مباشرة على الحضور إلى المدرج والوقوف خلف الفريق وإنما ابتكار وسائل وطرائق أخرى لإبداء الرأي والعتاب. إذن العلاقة هنا تبتعد عن الأطر المحسوبة باعتبارات شرطية الربح والخسارة. وهذا في تقديري ما يميز اليوم جماهير صحار عن جماهير خط الباطنة تحديداً, التي شكلت (ظاهرة آنية) لفرقها في أوقات الانتصارات وحصد البطولات ثم أنطفأت بإنطفاء الوهج والإنجازات.

• ثانياً : حين نتحدث أيضا عن أن جمهور صحار جمهور له (هوية) فإن هذه الهوية التي يحملها المشجع الصحراوي إنما هي امتداد لهوية (صحار) كمدينة لها ثقلها (التاريخي / السياسي / الثقافي / الاقتصادي) ولها أيضاً إرهاصاتها الحضارية الضاربة في جذور التاريخ والمستقرة سواء (بوعي / أو بدون وعي) في التكوين الفكري والطبائعي وبراديغما الحياة المعاشة في صحار مما أفرز شخصيات تتصف غالباً بمميزات (الإرادة – المستمدة من الأحداث التاريخية الواقعة في الولاية / الإقدام – المستمد من الإحساس بأهمية المكتسبات التاريخية والانتصارات الحضارية / الصبر وروح التحدي – المستمد من البحر والعلاقة الجدلية معه) كل هذه الميزات طبعها الثقل التاريخي للولاية في شخصية أبنائها الذي يعتقدون أيضا (بوعي / أو بدون وعي مباشر) أن هذا الثقل يجب أن يجد اليوم انعكاساته ودلالته المباشر في روح الولاية في كافة المجالات, سواء في المشهد الرياضي أو في المشاهد الأخرى الجارية على أرض الولاية, وبالتالي فإن التوحد خلف النادي ككيان رياضي ما هو إلا محاولة لصنع ثقل رياضي يليق بالولاية وإسمها وتاريخها وشخصية أبنائها.

• ثالثا : لم ينتظر جمهور صحار المعادلة المعهودة لدينا في السلطنة في السنوات الأخيرة وهي أن يصنع الفريق هوية جمهوره من خلال انتصاراته وبطولاته. بل إن المحاولات الحالية هي في صدد عكس المعادلة من خلال أن يصنع الجمهور هوية الفريق وهو ما بدأ يتضح وإن كان بشكل بسيط يلتمس خلال هذا الموسم الرياضي وما نتمنى له بكل تأكيد أن يستمر.

هذه هي قراءتي المتواضعة من شخص ليس متخصصاً في الرياضة وأهوالها ولكنه ينظر إلى هذا الجمهور بعين أخرى قد تكون أقرب إلى عين القراءة الاجتماعية منها إلى الرياضية. أقول ختاماً أن جمهور صحار (قاعدة شعبية) وليس (قاعدة جماهيرية) وموسماً بعد موسم تتسع هذه القاعدة لترمي الكرة الآن في ملعب إدارة النادي فماذا هم فاعلون ؟!