مبارك بن خميس الحمداني
قد لا نضيف جديداً, ونحن ننضم لقائمة من كتبوا عن موضوع “الباحثين عن عمل”, “البطالة”,” عمانيون بلا وظائف” سمها ما شئت. تختلف المسميات ويبقى لب التأزم هو ذاته.
ولكن ما يعنيني في هذه المداخلة هو الالتفات إلى محورين أساسين في القضية ذاتها. بداية وقبل الولوج في التفاصيل لا بد أن نعي أن قضية تزايد الباحثين عن عمل هي قضية عالمية. تختلف في حجمها وتتفاوت في تأثيراتها. إلا أن هناك ثمة مسببات رئيسية تشترك فيها دول العالم في توليد هذه القضية. وهذه المسببات تساهم في بلورتها طبيعة السوق والنظام الدولي, وتحولات الانتاج والتقانة والعمليات الاقتصادية وعلاقتها بالنمو الديموغرافي.
الواقع يقول أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحتل نصيب الأسد من حجم المشكلة. وذلك ما أظهره تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالم في عام 2014 حيث أشار إلى أن هاتين المنطقتين تحديداً تحويان أكثر من نصف حجم البطالة عالمياً. حيث تشكل النسبة في الشرق الأوسط 27.2٪ من إجمالي السكان. فيما ترتفع في شمال أفريقيا إلى 29٪ في شمال أفريقيا.
يبقى السؤال هنا يقودنا إلى المحور الأول للقضية وهو هل (النمو الديموغرافي) هو المسبب الرئيس للمشكلة, والجواب هنا يدحضه تقرير منشور في Qatar foundation بعنوان “هل ينجح تعليم ريادة الأعمال في إنهاء بطالة الشباب العربي؟” حيث يؤكد التقرير “أنّ التضخم الديموغرافي السريع ليس المسبب الوحيد لارتفاع البطالة بين الشباب في المنطقة. فبحسب دراسة بعنوان “من التعليم إلى التوظيف” أجرتها مؤسسة ماكينزي عام 2012، فإنّ أقلّ من نصف أرباب العمل الذين جرى مقابلتهم يرون أنّ خريجي الجامعات يملكون المهارات اللازمة لسوق العمل. ولايختلف ذلك عن الوضع القائم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. إذ يؤكد أصحاب الشركات الكبيرة أنّ فرص العمل متوفّرة لكنّ الشباب لايملك المهارات اللازمة لتعبئتها”.
إذن نحن أمام دحض فكرة أن النمو الديموغرافي وتزايد أعداد السكان هو بدوره مسبب (رئيسي) للمشكلة. لأن تزايد أعداد السكان بالضرورة يفترض تزايد الخدمات العامة والخدمات الاقتصادية وهذا بدوره لابد من تغطيته بقوى عاملة فاعلة قادرة على استدامة هذه الخدمات, وهذا المسبب في إطار تشكيله المباشر للقضية يبقى مسبباً فرعياً لا يمكن الاتكاء عليه.
ذلك بعدٌ أول. البعد الآخر في أولئك الذين يصورن (ريادة الأعمال) بأنها الجنات الموعودة بالنسبة للشباب الباحثين عن عمل. دون النظر في الهياكل التربوية وفي أنظمة التكوين والتدريس في مراحل التعليم المختلفة. وهل تساعد هذه الأنظمة على بناء عوامل النجاح على الأقل في (فكر) ريادة الأعمال. الواقع يقول أن أنظمتنا التعليمية بعيدة كل البعد عن بناء الثقة بالذات وإكساب الطلبة مهارات التعامل مع الأفكار الريادية بالإضافة إلى تزويدهم بأدوات الممارسة في ريادة الأعمال.
وكما تقول ليندا هيريرا في مقالتها التحليلية لوضع تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية العربية لعام 2016 بعنوان : “الوضع المهدد للشباب: ريادة الأعمال ليست حلًا”: “تكثر الأدلة التي تشير إلى أن ريادة الأعمال لدى الشباب، بينما تفيد القلة على المدى القصير، ولكن يرجح أن تقود الشباب لمصيدة الديون… وتضيف : تبهرنا صفحات التقرير بأمثلة عن قصص النجاح، والحلم بأن أي رائد أعمال عربي قد يكون ستيف جوبز التالي. ورغم أن دافع الشباب وطموحهم صفتان إيجابيتان إلا أنه من الظلم والخداع بث أسطورة أن أي شخص يملك فكرة ومثابرة وتصميمًا قد يكون رائد أعمال”.
علينا ألا نراهن كثيراً على قطاعات لم نؤسس لها في مؤسسات التكوين الأولى. هذه هي الخلاصة. وفي تقديري فإن حل المشكلة ينطلق من إعادة النظر أولاً في برامجنا التربوية وتكوين أطر تعليمية وتربوية تتواءم (تطبيقياً) مع سوق العمل وماذا يحتاج وفق رؤية بعيدة المدى لما سيكون عليه الحال في البلد بعد سنوات. وعلينا مراجعة مشروع التعمين الذي وللأسف بات يرتجع بأضداد ما يخطط له وينظر له منذ سنوات طويلة. كما إن من خطوات المواجهة هي القرار الحاسم بإحلال الوظائف القيادية والإشرافية وخصوصاً تلك الإدارية منها التي يتوفر لها من القوى العاملة الوطنية ما يستطيع إدارتها وتسييرها.
وخلاصة القول أن ترك المشكلة تجري لحال الزمن يزيد التأزم وهذا التأزم لن يكون على الباحثين عن عمل وحدهم بل ستكون له عواقبه الاقتصادية والاجتماعية وربما الثقافية والنفسية.