جماهير صحار

حيث للجمهور معنى

أخبار صحار ادبيات

‏نار تحت رماد المسكوت عنه


مبارك بن خميس الحمداني

هل باتت (قضية) الطلاق القضية المسكوت عنها في خضم التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي يمر بها مجتمعنا. وأضع كلمة (قضية) بين قوسين لدلالات التوصيف العلمي للمناقشة.
فإذا أخذنا في الاعتبار الإحصاءات والمؤشرات قياساً على تدارجها العالمي فإن المسألة لا ترقى لأن تكون (مشكلة) اجتماعية بحسب التوصيف العلمي والنسبي للمشكلة الاجتماعية, كما أنها في الآن ذاته لا يمكن اعتبارها (ظاهرة) لغياب دلالات الرصد العلمي المتكامل لها من قبل من تطرق لها بالبحث والدراسة سواء على صعيد المؤسسات أو على صعيد الجهود البحثية الفردية في الجامعات ومراكز البحث العلمي.
في هذا الإطار تشير إحصاءات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات (إحصاءات الزواج والطلاق – الإصدار 7 – بيانات 2016) إلى تسجيل 3736 وثيقة طلاق خلال عام 2016 بمعدل 10 وثائق طلاق يومياً مقابل 67 وثيقة زواج كمتوسط للوثائق الصادرة خلال يوم.
على مستوى مؤشرات القضية تشير ذات النشرة إلى أن حالات الطلاق قد ارتفعت من عام 2015 بواقع 3169 إلى 3736 في عام 2016 مما يعكس صعوداً متوتراً للظاهرة. المفارقات الأغرب هو في التوزيع النوعي لوقوع الظاهرة حيث تشير البيانات إلى أن ولاية صلالة تتصدر حالات الطلاق على مستوى السلطنة.
مبدأي في التعاطي مع مثل هذه القضايا يقتضي النظر المعمق فيها من زوايا نوعية وطرح الاستفهامات التي تثيرها مثل هذه المؤشرات بالتفصيل. علينا أن نتساءل ما الأسباب الاجتماعية والاقتصادية التي تقف خلف هذا الارتفاع في حالات الطلاق, ولماذا تظل الأسباب في خانة المسكوت عنه ولا تثار كنقاش اجتماعي موسع يستهدف وضع الحلول واستدراك معطيات تجاوز مثل هذه المشكلات. ومن الأسئلة لماذا لا تلعب عمليات التعليم والتنوير الثقافي الذي تمارسه مؤسسات التنشئة الاجتماعية على اختلافها واختلاف أدوارها في خلق وعي أسري يواجه ويتصدى لمثل هذه القضايا.
من بين ما تفرزه الدراسات التي أجريت في هذا الصدد مسألة الاجماع على دور وتدخل العائلة الكبرى في شؤون الزوجين يعتبر سبباً رئيسياً للطلاق. كما أن تراكم المشكلات وضعف استراتيجات وتكوين وعي الزوجين في حلها تعتبر عاملاً مركزياً إضافة إلى من المؤشرات المهمة في هذه الناحية أن جزء كبير من حالات الطلاق المسجلة تقع غالباً خلال الأشهر الأولى من الزواج.
أسئلة كثيرة لا أريد الاستفاضة فيها وإنما أهدف من هذا الطرح إلى تفكيك حالة وجود المشكلة اجتماعياً هل علينا أن نعتبرها قضية ضمنية مسكوت عنها وهي مجرد افراز للتحولات الاجتماعية والاقتصادية الدائبة في المجتمع أم أن علينا أن نعيد النظر في تكويناتنا الاجتماعية والأسرية وفي مفاهيمنا التربوية وبرامجنا التعليمية التي يفترض اليوم أن تقدم مفهوماً واضحاً للمؤسسة الزواجية لا يقصرها فقط على كونها ماكينة للإنجاب والتفريخ وإنما يبلورها كلبنة لبناء المجتمع وبث الوعي في الأجيال وتنوير الأبناء بمفاهيم الدور والمسؤولية المتوجبة في بناء الأوطان وتعميرها.
إن أولى خطوات مواجهة المشكلة هو الاعتراف بها وتقديرها. وهذا ما يتوجب في شأن قضية الزواج إذا ما أردنا المحافظة على بنية نظام اجتماعي متماسك قادر على مواجهة المغذيات الخارجية الثقافية منها والاجتماعية بشقيها السلبي والإيجابي. وإلا فإن تراكم المشكلات في صلب البناء الاجتماعي مآله تقويض أركان البناء والدفع به للإنهيار والتلاشي.