“بلاش تهريج”
كتبه: مبارك بن خميس الحمداني
كغيرها من “الزوبعات الاجتماعية” التي تنتشر بين فترة وأخرى. ويتم تداولها مجتمعياً على نطاق واسع والتغريد في شأنها على منصات الوصل الاجتماعي. تداولت شريحة واسعة من المجتمع قبل أيام فيديو مسرب من إحدى المدراس العمانية فحواه مشهد لأحد المدرسين الوافدين يضرب طالب عماني في زاوية الفصل بطريقة فضّة خارجة عند حدود التعامل المهذب في التربية والتوجيه.
ورغم اختلافنا التام مع هذه الطريقة المهينة في استخدام (الوصاية التربوية) من قبل هذا المعلم. إلا أن التفكير الدقيق في أوجه القضية المختلفة يجعلنا نطرح مجموعة من التساؤلات الموسعة حولها :
– هل هذا المعلم هو المعلم الوحيد في المدارس العمانية الذي يستخدم (أسلوب الضرب) في العملية التأديبية ؟
– هل كانت ستحدث أية ردة فعل فيما لو لم يتم تصوير المشهد وتدواله عبر نطاق واسع في الشبكات الاجتماعية ؟
– هل وزارة التربية والتعليم قادرة على اتخاذ موقف جريئ في لوائحها فيما يتعلق بمسألة (استخدام الضرب) كوسيلة تربوية تأديبية , أم أن المسألة ستضل تحوم في ضبابيتها المعهود بين فريق يقول بإباحتها وآخر يقوم بتجريمها. وبين فريق يشير إلى أروقة المحاكم كمنصة فصل في هذه القضية.؟
– السؤال الأهم : في حالة معاقبة المعلم حول هذه الفعلة هل سيتم أيضا النظر ومعاقبة الطالب بسبب الفعلة التي دفعت المعلم لضربه بهذه الطريقة.؟
– سؤال أيضا : ماذا لو لم يكن المعلم صاحب القضية وافد.. ماذا لو كان عُماني ؟!
– سؤال أخير قد يكون هامشي : ما وضع الطالب الذي قام بتصوير المقطع ونشره.. وأين ما كنا نسمعه سابقاً من معلمينا أن غرفة الفصل قاعة لها قدسيتها. وما يتداول فيها له قواعده المنظمة ولا يصلح خروجه إلى خارجها.. وأين ولى زمان معاقبة الطالب الذي يحضر هاتفه إلى المدرسة.. أم أن خمس سنوات مرت كانت كفيلة بغربلة قواعد التربية والتعليم كل هذه الغربلة..؟!
ليس من عادتي الكتابة في هذه المواضيع (التي تطفو على السطح لبرهة) ثم تختفي بفعل فاعل.. ولست متخصصاً قانونيا لأبت في رأي قانوني في شأن الحادثة. ولكن خروج الوزارة ببعض البيانات الإعلامية في الأيام الموالية للحادثة تبدي فيها حرصها على إجراء تحقيق في الحادثة واتخاذ إجراءات صارمة في شأنها بالنسبة لي يعتبر نوعاً من (العمل على ردات الفعل لا أكثر) فلو لم يكل الفيديو قد تم تصويره لن يكن هناك إي تحرك رسمي إزاء الحادثة.. ولو كان تم تصوير الفيديو ولم يتم انتشاره على نطاق واسع لن تكون هناك ردة فعل مباشرة إزاء القضية. ولو كان انتشر الفيديو ولم يكن هناك (علك) للقضية في الوسط الاجتماعي العام فلن يكون هناك تحرك مباشر للتحقيق والبت في المسألة..!
إن التعامل بناء على ردات الفعل في إطار منظومة العلاقات العامة لأي مؤسسة يعتبر جزء أساسي لا يتجزء من مفهوم (إدارة الأزمات) ومن واجب الوزارة القيام بذلك نتيجة للضغط الاجتماعي الذي يحدثه تداول القضية. ولكن حين يكون التعامل وفق ردات الفعل منهجاً إدارياً ومؤسساتياً مستمراً فإن هذا يضعف شخصية المؤسسة ومنهجها الإداري أمام عموم الجمهور. فما بالك بمؤسسة يتعاطى مع خدماتها كل بيت عماني وبالتالي فهي تسير في خط تماس مباشر مع كافة شرائح المجتمع في علاقة من التأثير والتأثر والمواجهة والتناوب.
وقبل فترة بسيطة حدثت قضية في تقديري أسوأ بمئات المرات من قضية ضرب المعلم للطالب. وهي قضية حرق إحدى المدارس بولاية صحار. ورغم أن شرطة عمان السلطانية أعلنت في بيانها الرسمي لوسائل الإعلام عن القبض على المتهمين وبينهم طلاب من المدرسة ذاتها إلا أننا لم نسمع أي بيان أو توضيح من الوزارة ذاتها وكأن القضية حدثت في منزل ولم تحدث في مدرسة.. ندرك أن هذا الشأن متعلق بالتحري الجنائي وله طريقه الأمني والقضائي الذي يحل به. ولكن عندما نتساءل عن الأبعاد الأعمق للقضية : ماذا يعني أن يقدم اليوم طلاب على حرق مدرستهم ! إلى أي مدى أصبح مثل هذا الجرم عملاً سهلاً وسائغاً لدى طلاب يفترض أن تكون المدرسة بالنسبة لهم إحدى الدور المقدسة كقدسية المسجد والمنزل. وما هي كمية (النوازع السلبية) المحتقنة داخل وجدان هذه الفئة تجاه المدرسة وكل ما يتعلق بها من معلمين وأنظمة تربوية ومتعلقات أخرى لكي يدفعهم نحو مثل هذه الفعلة وبهذه الجرأة ..؟!
لا نعطي القضية أكبر من حجمها لأنها تمثل فئة بعينها قد لا تمثل طلابنا ولكنها فئة مثلما وجدت في هذه المدرسة قد تكون ذات العينة في مناطق أخرى ومدراس أخرى.. ولكننا أيضاً في المقابل يجب أن لا نعطي قضية الضرب أكثر من حجمها ما دمنا غير قادرين على أن نكون أكثر وضوحاً مع أنفسنا كنظام تربوي فيما يتعلق بالحسم في هذه المسألة..!
رسالة ولمن يعنيه الأمر حرية الفهم : التعامل بردات الفعل لا يليق بالمؤسسة التي يفترض أن تكون أمتن المؤسسات وأعظمها نظاماً إدارياً وسلوكيا.. صارحوا أنفسكم بمشكلات النظام التربوي الحقيقية.. ولا تبحثوا عن مشكلة عارضة هنا أو هناك لتظهروا أن قيمة الطالب بالنسبة إليكم هي القيمة الأسمى التي يتوجب صيانتها والحفاظ عليها وتحقيق مرتكزاتها وأهدافها.. “وبلاش تهريج”