كتبه: مبارك بن خميس الحمداني
في الوقت الذي يحتدم فيه الصراع العالمي حول جدلية (الصحافة الورقية / الصحافة الإلكترونية) والذي لم يحسم ولن يحسم في تقديري رغم تخلي صحف كبرى عن ثوبها الورقي لترفع المنديل ملوحة للإلكتروني. إلا أن هذه الحالة مرتبطة بالمضامين والمحتوى أكثر من كونها مرتبطة بالوضع الراهن وطبيعة التلقي وأدواته ووسائله.
ففي الوقت الذي تتغلب فيه الصحافة الإلكترونية على المطبوعة بعدة ميزات يأتي على رأسها (أسبقية الوصول) أو (السبق الصحفي) وإتاحة المحتوى المرئي والمسموع المصاحب للخبر وتجاوز حدود الزمان والمكان. وإتاحة الفرصة للمتلقي للتفاعل مع الخبر بتغذيات راجعة متعددة الأوجه والأشكال. يبقى الرهان على الصحافة المطبوعة أن تضاعف جهدها في اكتشاف وسائل جذب أخرى لا تتوافر وفي اعتقادي أن مستوى قليل من الذكاء لدى إدارات تحرير الصحف الورقية وبالتحديد في بلادنا العربية يمكنها من تجاوز هذا المأزق وكسب هذا الرهان الجدلي.
وإذا كنا نتحدث في العموم عن وضع الصحافة في العالم فإن الحديث عن الصحافة الرياضية كفرع متخصص من فروع الصحافة يفترض علينا النظر إلى هذه المعركة بشكل أكبر ذلك أن تؤخذ في الاحتدام أكثر من بقية فروع الصحافة. فالمباراة التي تلعب اليوم في الساعة الخامسة مساء يرفع ملخصها وأهدافها بعد دقيقة أو دقيقتين من نهايتها وقد ترفع كاملة على يوتيوب قبل أن تصدر طبعة لصحيفة ورقية في اليوم الموالي. والمحلل الذي ينتظر الجميع مقاله غدا في تحليل وضع جدول الترتيب في منافسات الدوري قد يكتب رأياً مختزلاً في 5 أو 6 أسطر على فيس بوك ويتداوله مئات الآلاف على واتس آب دون انتظار اليوم التالي لشرب فنجان قهوة بصحبة صحيفة ورقية تحمل هذا التحليل. ورئيس النادي أو الإتحاد الفلاني الذي ينتظر المئات تصريحه حول منافسة معينة قد يغرد بهذا الرأي في تغريدة وجيزة لا تتعدى 140 حرفاً على تويتر ويفتحها للتداول والتحليل في مئات الجلسات والمجموعات الشبابية دون انتظار التصريح بالبنط العريض في صحيفة الغد أو ربما قد تكون وجبة (بائتة) تأتي في عدد متأخر من ملحق رياضي.
ولكن التساؤل هنا : هل تدرك إدارات التحرير لدينا حجم التحدي في هذه المعمة. وحجم الإرهاصات التي تتوجب على الصحافة المطبوعة السير في إحدى مسارين : إما التخلي عن ثوبها المطبوع لصالح الإلكتروني وبالتالي التماهي مع الموجة. وإما تجديد حلتها وهيئتها والعقليات القائمة على إدارات تحريرها لإبتكار الجديد الذي يضمن لها الاستمرار في هذا المعترك ..!
ولكن من أين سيأتي كل هذا ونحن لا نزال يومياً في صحافة الرياضية (التي تعتبر أبسط أشكال الصحافة المتخصصة على مستوى الممارسة والتحرير) لا نزال نجد يومياً أخطاء تحريرية ومصادرية فادحة لا يقع فيها مشجع بسيط على موقع من مواقع التواصل الاجتماعي. فبين الأخطاء في أسماء اللاعبين وفي وصف مجريات المباريات وفي تفاصيل الملاعب وأحداثها ووصف أحداث الجمهور والمدرجات تجد بعض الأخبار الوصفية للمباريات وحينما تقرأها تشعر وكأن من كتب هذا الخبر يصف مباراة أخرى في شق آخر من هذا العالم غير المباراة التي حضرها وشاهدها الجميع. هذا عدا الكثير من الأخبار المنقولة نصاً من تغريدات عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو المنقولة من مواقع الكترونية مختصة بتغطية أخبار أندية معينة أو تغطية أخبار ولايات معينة. هذا على المستوى النصي أما على المستوى المرئي المتعلق بالصور وغيرها فحدث ولا حرج..!
وفي تقديري فإن هذه الحالة طبيعية في ظل عدم وجود هوية واضحة للصحافة الرياضية واعتماد تغطياتها على مراسلين غير متخصصين غالباً في الشأن الرياضي. وميل البعض منهم إلى نقل الأخبار وفق المشهد الفلاني :
– السلام عليكم فلان.
– حياك صاحبي.
– كيف حاضر المباراة ؟
– أيوا في المدرج الحين
– طيب باغنك تضبطني ترسلي من يسجل الأهداف وأهم الهجمات الخطيرة وشو يصير في المدرج وأنا بروحي عاد بكمل الباقي بكلام من عندي.
– ما يهمك
إن هذا الوضع في شاكلته الحالية يعتبر وضعاً كارثياً إذا لم تدركه إدارات التحرير في الصحافة الرياضية. خصوصاً مع تنامي دور المواقع الإلكترونية ومجموعات النقاش والخدمات الإخبارية الرياضية للأندية والتي تبذل جهداً فريداً تنافسياً في تغطية أحداث الكثير من المنافسات الرياضية وبجودة عالية وبخيارات متعددة تفوق مقدرات الصحافة الرياضية التي يفترض أن يكون كيانها المؤسساتي والخبراتي متفوقاً وصاحب سيادة.
إن المخرج الوحيد للصحافة الرياضية المطبوعة اليوم في تقديري إنما يتمثل في الإتجاه نحو شكل الصحافة التفسيرية والتي تتعدى مسألة وصف الأحداث وسردها إلى مسألة تفسيرها وتحليلها وفق رؤى محللين متخصصين وكتاب بارعين في هذا الشأن. إنها ببساطة مسألة تكشف عن (اللامرئي) في إطار الأحداث الموصوفة والمتداولة. وهو ما يتحدث عنه الباحث الإعلامي ميلفن مينتشر حين يقول: ” لا يقتنع الناس ولا يرضون فقط بمعرفة ماذا حدث؟ وماذا يعني ما حدث؟ وما هي النتائج والآثار المتوقعة لما حدث” . ويضيف “هذه المعلومات قد لا تكون أحياناً متوفرة بسرعة للصحفي، ولكن حين تكون القصة مهمة وحين يكون ممكناً الحفر والتنقيب والبحث عن المادة المساعدة يجب الا يتردد المخبر في توسيع وتعميق التنقيب وبالتالي الانتقال الي التغطية التي تفسر الحدث”
إننا اليوم بحاجة إلى الصحفي الرياضي (المحقق) أكثر من حاجتنا للمراسل غير المتخصص الذي يستهدف جمع أكبر عدد من الأخبار لتغطية أكبر مساحة في الصحيفة. هي رسالة أخيرة نوجهها : لم تعد الصحافة الرياضية (صحافة ملء الفراغ). بل أصبح صناعة تنافسية قوية وغيرت شكل الإعلام في كثير من الدول. فهل تفقه إدارات التحرير لدينا مغزى ذلك ..!