مبارك بن خميس الحمداني
في حوار تلفزيوني يتحدث المؤلف المصري أمين عزت عن قصة ظهور مصطلح “حزب الكنبة” كتعبير سياسي دخيل على مفردات الحياة السياسية في مصر, ذاكراً أن هذا المصطلح تناقله الشارع المصري بعد رسالة كتبها هو عبر صفحته في فيس بوك بعنوان “إلى شعب الكنبة العظيم”. لينتشر بعدها المفهوم ويتداول بشكل موسع إعلامياً وقد ألف هو حوله كتاباً سماه “من الكنبة إلى الميدان”.
ومصطلح حزب الكنبة رغم كونه مشتقاً من ظرافةِ الشخصية المصرية ومن لهجتها الدارجة والذي يعبر عن روح هذا الشعب المفعمة بالحياة حتى في أصعب المواقف وأحرج الفترات, إنما يعبر هذا المصطلح عن حالة سياسية أراها في تقديري حالة عالمية. وهو يعبر في دلالته عن “الأغلبية الصامتة من الشعب العازفة عن السياسة بأشكالها كافّة. ومنهم من يحصرها في قطاع من الشعب يتجاهل كل نداءات الانخراط في الأحزاب أو المشاركة في الحياة السياسية.” وفي تفصيل آخر ” يضم الحزب بين جنباته فئات شتى. منهم المواطنون المؤدون للعملية السياسية لكن غير المهتمين بالمشاركة فيها. ومنهم غير المشتغلين بالسياسة والشأن العام سواءً بالتأييد أو الرفض. إلى جانب كثير من ربات البيوت، والعمال غير المتفرغين…”
خلال الفترة الماضية حضرتُ جلستين من الجلسات النقاشية المفتوحة التي يقيمها المترشحون لعضوية مجلس الشورى في ولاياتهم للتعريف ببرامجهم ورؤاهم للعمل البرلماني في حال فوزهم بالعضوية. كما ركزت في الفترة الماضية على متابعة أنشطة ونقاشات المرشحين في أغلب مناطق السلطنة بحسب ما تنقله وسائل التواصل الاجتماعي أو وسائل الإعلام الرسمية في تغطياتها. ولقد كان القاسم المشترك في الجلستين اللتان حضرتهما مسألة النقاش حول الكيفية التي سيواجه بها المرشحون قضية عزوف الشباب عن التصويت والمشاركة في العملية الانتخابية.
ورغم وجود نسبة عامة معلنة بحسب ما تذكره الجهات الرسمية حول المشاركة في انتخابات الدورة السابقة والتي قدرت فيها نسبة المشاركة بـ ( 76% ) من إجمالي الناخبين. إلا أنه لا توجد مؤشرات تفصيلية معلنة حول مسألة مشاركة الشباب في العملية الانتخابية كشريحة مجتمعية يسلط عليها الضوء وتعقد عليها الآمال لقيادة دفة التغيير وإن كان من زاوية ضيقة في أسس المشاركة السياسية. ولكن ما يعنينا هنا هو الحديث عن الأفق الذي يدور في مساحة الرأي العام من أوساط الشباب الآن والذي تلتمس من حديثه حالة من اليأس وعدم التفاؤل في شأن مسيرة العملية البرلمانية بوضعها الحالي. طبعاً لا نملك دليلاً علمياً على ذلك ولكن ما يتتبعه المراقب للشأن العام أن الكثير من الشباب أصبح اليوم يرى تواضعاً في الأفق العام لمسيرة المجلس معتقداً أن هذه المساحة البرلمانية لا تلبي أفق طموحه ولا تحقق له ذاته السياسية والثقافية والمجتمعية التي يعقد الآمال عليها في تهيئة الطريق له وتمهيده للمشاركة في بناء الوطن انطلاقاً من الامتيازات والممهدات التي تخرج بها مسيرة العمل في المجلس.
اجلس مع الشباب اليوم في أي تجمع لهم , وناقشهم في شأن مجلس الشورى , وعن رؤاهم للانتخابات القادمة , تابع ما يتداول في صفحاتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي , وتحدث إليهم عبر جلساتهم الأسرية ستجد أن هناك حالة يأس واضحة تطوف بهم إزاء هذه العملية وقد يقول لك أفضل القول “حتى لو ذهبت إلى الترشيح واخترت الشخص المناسب فأنني لا أتوقع منه الكثير من العمل , تعودنا عليهم نراهم حين حملاتهم الانتخابية ثم ينطفون ما إن يتولون عضوية المجلسة…”
إن هذه الحالة – وأكرر أنه يجب علينا تأكيدها والتحقق منها علمياً قبل كل شيء – تشيء بظهور (حزب كنبة) جديد في المجتمع. حزب لا يرى أي بوابة أمل في المساحة الصغيرة من مساحات المشاركة السياسية التي أتاحتها له الدولة , أو يرى أن العمل ليس على ذلك المستوى من الجدية بما يحقق الغايات الكبرى والأهداف المرسومة لمسيرة العمل في المجلس , أو أنه يرى أن التغيرات الكبرى التي حدثت في البلد بعد أحداث 2011 لم تنعكس بشكل حقيقي على مسيرة المجلس وصلاحياته رغم أنه كان أحد البؤر المركز عليها في تداولات الشأن العام في تلك السنة.
إن ظهور هذه الحالة التي نأمل أن لا تظهر في الأفق العماني يشيء بتعطيل مسيرة المشاركة السياسية في الدولة والتي أرادت لها القيادة أن تكون مشاركة متدرجة بحسب التدرج الثقافي والاجتماعي لمسيرة التنمية في السلطنة. ولكن أن نصل إلى هذه النقطة ويبدأ التراجع والانسحاب من زاوية الفرد نفسه فإن هذا المؤشر يعكس حالة خطيرة على الوضع السياسي في البلد. وعليه فإن المسألة تسير في اتجاهين رئيسيين يمكن من خلالهما معالجة الأمر. الأول مرهون بالمرشحين المقبلين على معركة الانتخابات ويكمن الدور هنا في تكوين رؤية أعمق لمفهوم عضوية المجلس. أننا في كثير من الأحيان لا نرى في أحاديث بعض المرشحين أي رابط صلة بالعمل والغايات الكبرى التي يسعى إليها المجلس بقدر ما نرى إنشغالاً بالشأن المحلي والأهلي وإطلاق الوعود هنا وهناك في شؤون جزئية بسيطة كان من المقدر لها أن تكون مجال حديث في المجالس البلدية المستحدثة. أنك بالكاد تستمع إلى من يحدثك عن رؤيته للتشريعات والصلاحيات في المجلس. أو يحدثك عن رؤيته وآفاق التفكير في القضايا الكبرى التي تشهدها الدولة والمجتمع كقضايا تردي نسق التعليم ومشكلات الباحثين عن عمل ومصير الخطط الاقتصادية الكبرى المرسومة.وغيرها من القضايا الجادة والبنيوية. إن العمل البرلماني والرؤية الحقيقية في تقديري إنما يجب أن تنطلق من هذه القضايا البنيوية الكبرى التي ستجر معها فيما بعد آفاق الشأن المحلي والأهلي الذي ينغمس المرشحين بإطلاق الوعود فيه.
ومن ناحية أخرى فإن جانب أكبر من تفادي المشكلة إنما يقع في تقديري على مسألة إرادة الدولة وهذه الإرادة إنما تنطلق من التوسيع الحقيقي لنطاق المشاركة السياسية أو روافد هذه المشاركة وعلى رأسها مؤسسات المجتمع المدني بمختلف أنشطتها الثقافية والاجتماعية والسياسية. فهذه المؤسسات حتى وإن لم تدفع الأفراد في المجتمع لمشاركة سياسية حقيقية فإنها على الأقل ترتقي بمستوى المعرفة السياسية لديهم وتشكل بالنسبة لهم روافد ثقافية تمكنهم من الإحساس أولاً بالمسؤولية الوطنية الكبرى في هذا السياق ومن جانب آخر حسن الاختيار وتشكيل الرأي المجتمعي الصائب لصورة البرلمان الذي يمثل الغايات الكبرى ويناقش القضايا البنيوية الحساسة التي تعترض العمل والبناء على هذه الأرض الطيبة.
يقول الكاتب محمد علي إبراهيم : “الكنبة في مصر هي المجلس في السعودية والديوانية في الخليج وصحن الدار في سوريا. بإختصار أنها مكان تجمع العائلة والأصدقاء حيث المسامرات والمناقشات…” وأقول كذلك هي المجلس والسبلة في عُمان لكنه المجلس الواعي والحامل لهموم الوطن والقادر على التغيير إذا ما اتيحت له الظروف ووسعت له المنافذ فقط يبقى الرهان دائما أن نسأل السؤال الأكبر : ماذا نريد من مجلس الشورى !
تعليقان
التعليقات مغلقة.
لا فض فوك استاذ مبارك الحمداني مقال مبني على تحليل واقعي بعيد عن الحشو .
نعقد الأمل في أعضاء شورى يحاولون تفعيل البرلمان في العملية السياسية الداخلية ، لكن عندما يصلون ، يرمون بآمالنا في غياهيب أدراجهم
البرلمان العماني سيظل ” ضعيف” والعزوف عنه إما أن يقتله أو يحيه بشكل أقوى:).