مبارك بن خميس الحمداني
تحتفي أرض عمان الخير والعطاء بسبعة وأربعين سراجاً مضيئاً في مسيرة بنائها ونهضتها بقيادة نبراس حكمتها ومصدر فخارها ورفعتها السلطان قابوس بن سعيد حفظه الله ورعاه. ومع كل مناسبة وطنية نفخر فيها بمنجزات الوطن ونستذكر فيها مكتسباته نستشهد فيها بمحطات بانورامية من مسيرة البناء الشاقة في أرض عمان الجديدة. هذا المشروع الإنساني الذي لم يكن مجرد تأسيس في المادة وعمران في فضاء الحيز المكاني. بل كان تأسيساً للذات العمانية المساهمة بفاعلية في كونها أداة للتنمية ومصدر إلهام لبرامجها وهدفاً مرسوماً لغاياتها.
وكما نؤكد دائما أن الأعياد والمناسبات الوطنية تشكل دلالات رمزية في وجود المجتمع وواقعه المعاصر. يستذكر من خلالها تاريخه. ويتعرض فيها لواقعه. ويتلمس الخطوط العريضه لمستقبله المراد. وأمام هذه الدلالات كان لابد عبر توالي السنين أن يكون لكل عيد دلالته ورمزيته الخاصة التي تكتسب خصوصيتها من ظرفيات الأحوال وتبدلات الحال فيما يمس المجتمع من مؤثرات داخلية أو خارجية.
ما الذي يلهمنا أياه العيد الوطني السابع والأربعين المجيد؟
سؤال عريض ينبغي ألا يكون تائه الإجابة في غياهب الاحتفالات والإحتفاءات وإنما علينا النظر المعمق في استثمار هذه الحالة الوطنية التي غالباً ما تعبر عن لحمة مجتمعية أصيلة في التنبه إلى ما يعترض المجتمع من تحديات ومؤثرات. فأولى الخطوط العريضة التي يجب أن تلهمنا أياها هذه المناسبة هي التفكير في استدامة هذه الوحدة الوطنية عبر صونها وعدم المساس بها وإيجاد ما يكفل استدامتها عبر برامج التنشئة الاجتماعية ومدارك الوعي المجتمعي ووسائط التربية والإعلام وأنشطة المجتمع المدني. وأن يتم تغذيتها بفعل التعددية الثقافية التي يحويها المجتمع لتكون رافداً لها وتشكل أنموذجاً يحتذى به في سياق محيطها.
أما ثاني ما تلهمنا أياه هذه المناسبة هو التفكير في السياسة المتينة التي تقوم عليها أركان هذه الدولة. وفهم مرتكزاتها وثوابتها ليس لأجل التباهي بها أو أن نعتد بها. بل لكي تكون منهاجاً قويماً يتحول إلى سلوكيات في التفكير وممارسات في المجتمع على صعيد التعامل مع الداخل والخارج. وأن نجد له السبل المثلى لكي تكون (براديغم) تربوي تنطلق منه عمليات التأسيس التربوي والتعليمي. وذلك لما تحويه الخطوط العريضة لها من مبادئ إنسانية وحضارية ودبلوماسية قويمة. لا نبالغ أن قلنا أنها اليوم تشكل خصيصة الوجود العماني المعاصر.
أما ثالث ما تلهمنا أياه هذه المناسبة فهو أن يكون تضامننا في إطار البناء المجتمعي تضامناً عصرياً يقتضي تفهم الظروف والإرهاصات التي تمس أي مكونات هذا البناء وأنساقه من دولة ومؤسسات ومحاولة التعاضد معها بالفعل التنموي المثمر الذي يسهم في تجاوز الإشكالات والتحديات التي قد تعترض مسيرة البناء والتنمية. وأن نكون أكثر إيجابية في التعاطي مع المؤثرات التي قد تعطل بعض القطاعات منطلقين من إيماننا بأن الوطن للجميع وأننا مشاركون جميعاً في المسؤولية الوطنية قدماً نحو مجتمع أفضل.
تلك خطوط مقتضبة لدلالات أكثر عمقاً واتساعاً من أن نحيط بها. فقط لتكون عمان دائماً في قلوبنا. وليكون منهاجها الذي خطته قيادتنا الحكيمة منهاجاً راسخاً في تمثلات ذواتنا. ولنبحر عبر سفينة الأمان والسلام إلى مرافئ التنمية الحقيقية بعزم وإرادة لا تنطفئ.