جماهير صحار

حيث للجمهور معنى

ادبيات

عُمان : الكرة في ملعب من ؟!

  
كتبه / مبارك بن خميس الحمداني

وسط انتظار شعبي واسع, استمع العمانيون بشغف إلى خطاب جلالة السلطان قابوس في افتتاح الفترة الجديدة لمجلس عمان. والذي عنون إعلاميا وشعبيا ب”خطاب الشموخ”. خطاب تتشكل أهميته لعدة دواعٍ وأسباب, منها ما يتعلق بكاريزما شخصية جلالة السلطان فبعد الغياب عن الحضور المباشر لعامين سابقين من الإنعقاد السنوي للمجلس انتظر العمانيون هذا الحضور وسط توقعات متباينة بالمضامين الأساسية التي سيستند إليها الخطاب السامي بين سطوره. وهناك ما يتعلق بأسباب موضوعية منها أن الدولة مقبلة على أن تشرع في تنفيذ خطة خمسية جديدة وسط احتفالها بمرور 45 عاماً على تأسيس الدولة الحديثة وسط بعض المصاعب والأزمات الإقتصادية التي باتت اليوم واضحة للعيان وتنعكس تأثيراتها وإن لم يكن بشكل مباشر على نسق السير الإداري بالنسبة للدولة. إضافة إلى معطى آخر تتشكل فيه أهمية هذا الإنعقاد وهو معطى قد لا يكون مستحدث بل تتجدد دواعيه أكثر عاماً بعد عام وهي متغيرات الساحة الإقليمية والدولية والتداعيات السياسية والعسكرية التي تحيط بالدولة في إقليمها وفي نسق علاقاتها الدولية..

في الحقيقة أن الدارس الدقيق لخطابات جلالة السلطان في الإنعقادات السابقة لمجلس عمان يجد أن بنية الخطاب لا تخرج عن مكونات رئيسية أساسية منها (التأكيد على مسيرة الشورى العمانية , التأكيد على مواصلة مسيرة التنمية وبناء الإنسان وتوسيع نطاق الخدمات , التأكيد على التعليم والإرتقاء بالجوانب الثقافية المختلفة , التأكيد على ثوابت السياسة الخارجية العمانية ومرتكزاتها التي تسير عليها , وفي بعض الخطابات التأكيد على دور القوات المسلحة والإشادة بما تقوم به من جهد مقدر في خدمة الوطن). بحيث أن هذه الخطابات كانت تتمشى مع الأحداث التي يفرضها الواقع المعاش والمتغيرات الداخلية والخارجية للدولة. إلا أن خطاب الشموخ جاء على غير المتوقع فقد كان خطاباً مختصراً في كلماته وسطوره. دقيقاً في مضامينه. والمتعمق الدقيق في مضامين الخطاب يجد أن يحمل من الدلالة ما يسير بالدولة إلى مشارف مرحلة جديدة تتغير فيها المعطيات والمعالم. وقد كتبت في تغريدة على الوسم الخاص بالخطاب في يومه (كلما كان الخطاب مختصراً , اتسعت الدلالة) وهي في تقديري بالفعل كذلك.

أن السؤال الرئيس الذي يجب أن يطرح فيما يتعلق بمضامين الخطاب والمرحلة الجديدة التي يؤسس لها هو في تقديري (الكرة في ملعب من الآن ؟), ففي ظل الواقع الإقتصادي وتداعيات انخفاض أسعار النفط بتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة, المعلنة منها وغير المعلنة على سير العمل الإداري في الدولة. وفي ظل تزايد أعداد الباحثين عن عمل وتوسع نسق الكفاءات العلمية أفقيا وعموديا. وفي ظل تزايد نسب العمالة الوافدة مقارنة بالسكان العمانيين في تشكيل النسق الديموغرافي للسلطنة. وفي ظل عدم وضوح معالم حقيقية يستند إليها في دعوات (تنويع مصادر الدخل) التي تتغنى بها الدولة منذ تسعينات القرن الماضي. أصبحت المعطيات اليوم تضع الدولة أمام معضلة حقيقية يجب أن لا نتغافل عنها أو نحاول تخديرها ببعض التصريحات الإعلامية هنا وهناك. هناك أزمة قوامها عدم الجدية والتباطؤ الدائم في تنفيذ الخطط والإستراتيجيات الإقتصادية المزعومة. فعناوين تنويع مصادر الدخل التي حشدت بها وسائل الإعلام في نهاية التسعينات وبداية الألفية والتحذيرات المستمرة من تراجع أسعار النفط لم تجد في تقديري مواجهة حقيقية وفاعلة بخطط اقتصادية جادة. وإنما كانت مجرد مشاريع خجولة لا ترمم في الواقع الإقتصادي إلا اليسير. فإذا ما تناولنا على سبيل المثال القطاع السياحي في السلطنة وما يشكله في إجمالي الناتج المحلي الإجمالي بنسبة لا تتعدى 3% وسط المقومات السياحية والخطط المزعومة والشعارات البراقة التي ترفع بين حين وآخر في هذا القطاع نجد أننا أمام فشل ذريع في حقن وتنشيط هذا القطاع ليكون مصدر آخر يدفع باقتصاد الدولة ويستند إليه في بناء ركائزها الإقتصادية, وقس على ذلك في القطاعات الإقتصادية الأخرى المختلفة.

وبالعودة إلى السؤال الرئيس (الكرة في ملعب من الآن ؟) نجد أن بنية خطاب صاحب الجلالة أجابت على هذا السؤال بطريقة مباشرة فبعد خطابات كان فيها النسق يوجه بـ (أعضاء مجلس عمان الكرام – مقترنة بـ أيها المواطنون الأعزاء) أصبح الخطاب مقتصراً على (أعضاء مجلس عمان الكرام) وفي تقديري أن هذه الدلالة مقترنة بمسؤولية قصوى مرجوة من مجلس عمان بغرفتيه الدولة والشورى في ظل هذه المعطيات المهمة والبالغة الخطورة على مسار دولة التحديث والتنمية. فمجلس الدولة الجديد المشكل من كفاءات عالية وبدرجات وخبرات علمية ومعرفية مختلفة والذي يتوقع منه أن يكون (عقل الدولة) ينتظر منه الكثير في ظل تدارس هذه التداعيات والحد من إنعكاساتها على نسق الحياة العامة في المجتمع. وكذلك مجلس الشورى الذي حظي أعضاؤه بشرف ثقة المجتمع وتمثيله.

إذن الكرة الآن أصبحت في ملعب مجلس عمان ولكن لهذه اللعبة محاذيرها الأساسية وهو ما أرمي إلى التنويه عليه في نقاط مختصرة قادمة:

– الدولة العمانية الحديثة ركزت على بناء الإنسان قبل العمران وقطعت شوطاً طويلاً في سياق ذلك. وعلاوة عليه استطاعت السياسة العمانية تأمين هذه الأرض من مغبات سياسية كثيرة بفضل الحكمة وسياسة الإعتدال. عوضاً عن أن تحقيق مفهوم المواطنة في الدولة الحديثة بات يتجلى بشكل واضح وملموس في الإطار المستحدث للدولة. هذه المعطيات يجب أن لا نكتفي بالمفاخرة والتباهي بها فقط وإنما البناء والتأسيس عليها. كسبنا الأمن والأمان وأسسنا لتنمية الإنسان يجب الآن علينا أن ننطلق إلى (رفاه الإنسان) و (تمكينه) من أن يساهم بشكل حقيقي وفعال في بناء وطنه وتحديد شاكلة المسار الجديد للدولة الحديثة.

– أن أي تدابير من الممكن أن تتخذ في ظل المغبات الإقتصادية التي تعاني منها الدولة نظير ربط مصيرها بسوق النفط العالمي يجب أن لا تتماس مع نسق الحياة العامة بشكل مباشر للإنسان العماني ومن هنا فإن جملة الحلول والتدابير يجب أن لا تبقى رهينة المكاتب وجلسات الاجتماعات المغلقة والجلسات البرلمانية السرية وإنما أن يكون المجتمع بقطاعاته وعبر وسائل الوصل فيه بمثابة قاعة وطنية للعصف الذهني والمشاركة في إيجاد الحلول بما يتمشى مع نسق التنظيم الإداري للدولة وثوابتها.

– يجب أن يعي المخططون والقائمون على شؤون النسق الإداري أن المجتمع أصبح على درجة عالية من الوعي وأصبح يبحث عن المعلومة وإن كانت مخبأة بين مئات الأدراج وموصدة بمئات الأقفال ما دامت هذه المعلومة تتماس مع واقعه وتؤثر في هوية مستقبله وبالتالي فإن إشراك المواطن في عملية اتخاذ القرار والوعي الذي يجب أن يبدأ من أعضاء مجلس الشورى أولاً بأهمية ذلك يعد نقطة حاسمة في ترسيخ مفهوم المواطنة أولاً وفي ضمان إيجاد حلول منطقية مرضية في المقام الثاني.

في الختام بقي القول أن هذه التحديات التي تواجه الدولة اليوم وفي ظل الوقوف عند مرحلة مفصلية وخطة تنموية قادمة ومجالس برلمانية وتكنوقراطية مستحدثة تشكل اختباراً حقيقياً لهوية الدولة ولهوية نسق التخطيط فيها على كافة المستويات الإقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها. فهل ستسدد الكرة في المرمى الصحيح أم تكون هجمة مرتدة ؟!