جماهير صحار

حيث للجمهور معنى

ادبيات

ابسط يا “بش مهندس”

كتبه/ مبارك بن خميس الحمداني
من الألقاب التي رسخها الإعلام المصري في الأذهان والتي سيقت من رحم المجتمع في مصر لقب “بش مهندس” فحين تسمع هذه التسمية تأتي مصر في الأذهان مباشرة. و “بش مهندس” مصطلح مركب يعود أصله إلى العثمانية (التركية القديمة) فجزء (بش) تعني زعيم أو رئيس أو رأس. أما تسمية المهندس فكانت تطلق على “الإنسان الذي ينجز المشروع بأكثر جودة وأقل التكاليف, فكلها على بعضها بمعني رئيس المهندسين وكانت رتبة ومنزلة عالية جداً في زمن الدولة العثمانية حيث لاينالها إلا عدد محدود من المهندسين المهرة…”

ورغم دلالة التسمية وتخصصيتها للمهندسين إلا أننا نجد أن المجتمع المصري يستخدم المصطلح استخداماً إجلالياً لكل صاحب علم أو فكر أو ذلك الشخص الذي يتقن عمله ويبرع فيما ينجز. والشاهد من ذلك أن هذا المجتمع إنما يستخدم هذه العبارة للإجلال يعكس لك أنه مجتمع يقدر الإنجاز ويحترم العلماء والمفكرين وقادة المعرفة في سياقه. وهو أمر تستشعره حتماً في سجية المجتمع المصري مما ساعد في أن تكون مصر واجهة علمية عربية تصدر معارفها ونتاج مثقفيها إلى العالم بأسره. وهو مجتمع يقوده العقل الثقافي في حوادث كثيرة وأزمات عدة. كل ذلك لا يتحقق في رأيئ في أي مجتمع إلا إذا كان أفراده بمختلف طبقاتهم وأجناسهم وفئاتهم العمرية يضعون اعتباراً أساسياً لقيمة العلم والمعرفة ويحترمون الثقافة والقائمين عليها ويستمعون إلى كل صاحب عمق فكري ومعرفي في مختلف القضايا التي تمس شأن المجتمع وتهدد مصيره أو تلامس مسارات نموه وتقدمه.

الرابط في الأمر يقودني إلى طرح قضية أخرى في سياق مجتمعنا العماني أثارها ظهور بعض الشباب المجتهدين علمياً في مجالات علمية مختلفة والذين تمكنوا من الحصول على جوائز وألقاب علمية من مؤسسات عالمية يشهد لها في مجال العلم والمعرفة. وقد دفعت هذه الإنجازات المجتمع إلى التساؤل أين كان هؤلاء من قبل ؟!

والجواب في تقديري يرد عليه بسؤال أهم. فهؤلاء الشباب وغيرهم من قبل كانوا يحصدون جوائز مختلفة في مجالات العلم والثقافة والبحث والإبتكار وغيرها وقد عرفنا عن ذلك من أشخاص مختلفين ولكن السؤال الأهم أين هو دور الإعلام والمجتمع في التعريف بهم وفي إعطائهم المساحة الكافية لإبراز إنجازاتهم وتعريف المجتمع بها والدفع ببقية أقرانهم إلى السير في خطى مماثلة لما أنجزوه ؟!

علينا أولاً الإعتراف بمسلمة حقيقية لا يمكن إنكارها (الإعلام لدينا في السلطنة هو إعلام معارف وقنوات وصول محددة) وليس إعلام مبادرة بمعنى أنه ليس هناك سعي إعلامي من قبل أجهزة الإعلام إلى التعرف على مثل هذه الإنجازات والتعريف بها إلا إذا قام الشخص أو المقربون منه بالتعريف بنفسه وإشهار إنجازه ومحاولة الحصول على فرصة للظهور عبر وسائط الإعلام المختلفة. وهذا ليس دور العالم أو الباحث ولنطرح سؤالاً مهماً : هل تمتلك مؤسسات الإعلام لدينا (دليل / قاعدة بيانات) واضحة بأسماء العلماء والباحثين والمفكرين والمثقفين في كل المجالات وطرائق التواصل معهم بحيث أنه حينما تطرح قضية معينة سواء كانت قضية تخصصية أو مجتمعية تكون لدي الأدوات المتخصصة التي استطيع الوصول إليها في هذا الجانب وليس فقط الإعتماد على فلان الذي يوصلني إلى فلان الذي يوصلني إلى الباحث الفلاني أو العالم الفلاني.

هذه نقطة والنقطة الأخرى فإنه مع الحراك الواسع لجماعات الأنشطة الشبابية والفرق الطوعية والمبادرات التي تزخر بها ولايات السلطنة اليوم فإن جزء أساسي من أدوار هذه الفرق والجماعات إنما يتمثل اليوم في البحث عن مثل هذه الكفاءات وهذه الطاقات المتوهجة في مجالات العلم والمعرفة والبحث والإبتكار ومحاولة التعريف بها والتقريب بينها وبين المجتمع وذلك تمهيداً للدور الأساسي الذي يتوجب في جزء من مهام هذه الفرق والجماعات القيام به وهو التعريف بالعلم والعلماء وتجسير الفجوة بينهم وبين المجتمع وبالتالي خلق حالة مجتمع يقدر المعرفة ويجل العلماء والباحثين والمفكرين.

إن المرحلة الحالية إنما هي مرحلة العلماء والكفاءات التخصصية. فمع تعقد العلم وتشعب فروع المعرفة أصبحت القضايا المجتمعية والقضايا التخصصية المختلفة على قدر كبير من التعقيد مما يستوجب وجود كفاءات حقيقية لمواجهتها وإبداء الرأي فيها. فقد ولى زمن الإعلام الشمولي الذي يأتي فيه الصحفي غير المتخصص ليبدي اليوم رأياً في قضية اجتماعية وغداً في قضية طبية وبعده في قضية اقتصادية وهلم جرا. أو يأتي فيه الباحث الفلاني ليتحدث اليوم عن الخلافات الزوجية وغداً عن طاقات الشباب وبعده عن تنظيم الوقت وإداراته..

في تقديري أن واحدة من علامات التحضر والرقي بالنسبة لأي مجتمع إنما تقاس بمدى تقديره للعلماء والباحثين والمفكرين في المجالات المختلفة. وإذا أردت أن تعرف ما إذا كان هذا المجتمع يسير في درب التقدم والنماء فأسأل من يقود الرأي العام فيه ومن يكون أول من يتحدث عن مشكلاته ويناقش أزماته ومن يملك المبادرة للظهور عبر وسائل إعلامه المختلفة !