جماهير صحار

حيث للجمهور معنى

ادبيات

“صديق أنا يريد فيلم ضرابة..!”

  

كتبه/مبارك بن خميس الحمداني

 

تشكل السينما أو كما تسمى (الفن السابع) أداة مهمة من أدوات حياة المجتمعات وحفظ تاريخها ورصد حركة التطور الحضاري والإنساني فيها. ذلك أنها تستأثر باهتمام قطاعات كبيرة ومختلفة من المجتمع لإنها توفر وسيطاً بالصورة والصوت والحركة يساهم في توثيق الحدث الاجتماعي والسياسي والفكري على حد سواء.

وكما يقول أرنولد هاوزر، في كتابه الموسوم “الفن والمجتمع عبر التاريخ” بأن : “الفيلم السينمائي وثيقة اجتماعية مهمة تساهم في رسم قوانين حركة وديناميكية المجتمع وفهم طبيعة العلاقة الجدلية بين الإنسان والمجتمع. فالفيلم لم يعد يضع وجها لوجه ظواهر عالم متجانس من الموضوعات، بل عناصر من الواقع غير متجانسة تماما”

 

وعليه فإن السينما اليوم بهذا التطور الذي تعيشه وتشعب المواضيع التي تناقشها أصبحت لا تسلط فقط الضوء على قضايا تاريخية أو معاصرة يعايشها الإنسان بل وأصبحت وسيلة للكشف عن نبؤات المستقبل وطرح الافتراضات المتعلقة بمستقبل البشرية والوجود الإنساني إضافة إلى فحص الإمكانات التي يتوافر عليها مستقبل مفردات كثيرة كالأرض والفضاء وآفاق العلم وسيادة العرف البشري على وجه المعمورة.

 

ومن هذا المنطلق فإن التعامل مع السينما سواء كان على مستوى الإنتاج أو على مستوى التلقي إنما يجب أن يكون تعاملاً مؤسساً على ثقافة لها أسسها وقواعدها التي تحترم العمل وتتعامل معه كمادة ليست فقط مادة للفرجة وإنما مادة لاقتناص المعرفة أولاً ومعرفة خط سير العالم ومن ثمة تكون السينما جزءاً أساسياً لا يتجزأ من ذائقة الشعوب ومن توثيق ذاكرتها الاجتماعية المعاشة.

 

وبالتالي فإن السينما وارتقاء ثقافة التعامل مع السينما يمثل ارتقاء لذائقة المجتمع بأفراده ومعطى جديد يضاف إلى معطيات الذائقة الثقافية والفنية التي تخرج أفضل ما في الإنسان من مكنونات. وما أحوجنا اليوم كل الحاجة إلى فن راقٍ ينتشل مجتمعاتنا من موجة التناحر والتقاتل, فن يعيد للإنسان إنسانيته ويدرك من خلاله كينونة وجوده والمعطيات التي يعيشها. ولكن قبل هذا كله ما أحوجنا اليوم إلى تطوير ثقافة التعامل مع الفن. وأتحدث في هذه المقالة عن مشاهدات عامة محللاً من خلالها طريقة تعاطي المجتمع مع السينما أو بصورة أدق تحليل السينما كمجتمع اجتماعي في ضوء البنية التي يتعامل بها المجتمع مع هذه الظاهرة.

قد يكون مجتمعنا من المجتمعات التي لم تتمرس بعد على التعاطي مع السينما كظاهرة فنية. وهذا يعود في الأساس إلى سلم ترتيب أنماط الثقافة والتثاقف البارزة في المجتمع. فالمجتمع يخلق أدواته الثقافية ويرتبها ويعيد ترتيبها بحسب ذائقة أفراده وبحسب الأدوات الشائعة فيه والأكثر انتشاراً فقد تكون الأدوات الكتابية كالشعر والرواية وغيرها تلاقي أكثر رواجاً من غيرها كالسينما والموسيقى وبقية أشكال الفنون أو الأدوات الثقافية. إلا أنه ولكي تكون هناك متزنة ومثمرة في التفاعل أو التعاطي مع السينما فإننا يجب أولاً أن نقف عند بعض المشاهدات التي تخل بهذه الثقافة مما قد يؤدي إلى أن تفقد السينما قيمتها كأداة ثقافية ومعرفية ويصبح الذهاب إلى دور السينما شبيهاً تماماً بالذهاب إلى أحد المجمعات التجارية للتجوال والتسوق أو ارتياد أحد الحدائق العامة قصد النزهة. وهذا ما نلحظه عند بعض الفئات في المجتمع.

 

(1) يأتي أحدهم ليزاحم الواقفين في طابور انتظار حجز التذاكر ثم يصل إلى شباك الحجز , “صديق وش فيه موجود فيلم الحين ؟ ” يجيبه الموظف الفيلم الفلاني والفلاني , يرد “صديق وين فيه زين , وين فيه ضرب واجد ؟” , يرد الموظف “كله أكشن , أنا ما في معلوم وش زين , أنا يحجز بس” , يرد “بس أنا يرد فيلم واجد ضرب”. ينتهي المشهد بأن يحجز فيلم لا يعرف عنه شيئاً حتى اسمه..!

 

(2) يدخل حاملاً علبة “البوب كورن” وكأس “البيبسي” في يده , لا يحتاج أحد ليدله على رقم مقعده , لأنه يأتي كل يوم لنفس القاعة ونفس الكرسي فقط لأن هذا وقت فراغ بالنسبة له ويشعر بالملل فيه..!, يجد أحدهم جلس في نفس المقعد, يثير ضجة وزعيقاً في قاعة السينما ليلفت أنظار الحاضرين إلى رجولته . ويجبر الموظفين على تأخير اطلاق الفيلم لدقائق لأجل خاطر عينه..!

 

(3) التقى بصديقه عند محطة الوقود, كلاهما لا يجد ما يفعله في هذا الوقت, “خلا نروح سينما البهجة نشوف وش معروض باكر عند إجازة”, يدخلان السينما “صديق وش معروض الحين ؟” يرد الموظف “الفيلم الفلاني والفلاني” , “صديق أنا يريد فيلم هندي منشان ضرابة” , “أوكي صديق” , يحجزان فيلم لا يعرفان اسمه ولا حتى تقييمه ولا ماهية القضية التي يطرحها..! يدخلان , يصرخان مع كل حركة ضرب تحدث في الفيلم , ويصدران أصوات (….) مع كل قبلة أو حركة عاطفية تحدث فقط لأن هناك مجموعة من الفتيات في الخطين الأخيرين من قاعة السينما..!

 

هذه ملاحظات عارضة ليس القصد منها التعميم أو التهويل. ولكن في نفس الوقت لا يمكن إنكار وجودها وقد يكون أغلب مرتادي السينما في عمان لحظها وانزعج منها. أنا هنا لا أطلب أن يكون جميع من يرتاد السينما (أبو العريف) في كل ما يخص السينما. فأنا شخصياً لا أحفظ حتى أسماء 5 ممثلين على الأقل من مشاهير السينما. ولا أعرف شيئاً عن المخرجين. ولا أشهر الأفلام وأبطالها. ولكن على الأقل يمكنك متابعة الإعلان عبر برنامج العرض أو على أبسط تقدير معرفة تقييم الفيلم في مواقع التقييم العالمية. فذلك أضعف الإيمان..!

 

لا نطلب من الجميع أن يصبح مثقفاً سينمائياً. ولكن لكي تكون السينما أداة فاعلة في الرقي الثقافي للمجتمع وارتقاء ذائقته الفنية فإن من الضروري بروز ثقافة متزنة في التعامل مع السينما واحترام دور السينما. والتعاطي مع ما يعرض كوحدة معرفية تعرض قضايا قد تكون مشتركة للبشرية أو قد ترسم لنا شيئاً من ملامح المستقبل أو تقرب لنا بعض الأفكار العلمية أو تطلعنا على ثقافات وقضايا شعوب في أقاصي العالم. فإن لم نستطع السفر جواً فالسينما تقربنا من عوالم وثقافات قد لا نصلها يوماً وهذه هي رسالة السينما وهدفها السامي. أقول ختاماً : السينما كالمدرسة. وربما يكون ما يعرض فيها أكثر ثراء. فقط لو نتعاطى معها باحترامنا لقدسية دور العلم لحققت هدفها السامي في ثراء الذائقة الثقافية والمجتمعية.