#مبارك_الحمداني
يبدو أن قراءة مبتدئة نلقيها على المؤشرات الأولية لنتائج انتخابات مجلس الشورى لفترته الثامنة تعطينا ملمحين رئيسيين نقف عندهما : الأول يتجلى في أن الرهان على الوجوه الشابه التي قررت أن تخوض معترك الترشح لم يكن رهاناً خاسراً, فقد استطاعت هذه الأصوات في بعض الولايات أن تثبت نفسها وبفوارق لافتة, وهذا مؤشر جيد في الحالة البرلمانية العمانية ويتمشى مع التغيرات البنيوية التي شهدها المجتمع تحديداً بعد أحداث 2011 , أما المؤشر الآخر وهو يصب في انعكاساته في ذات السياق فهو متعلق بالرهان الآخر على الكفاءات العلمية التي هي الأخرى قررت التخلي عن فكرة (البرج العلمي) العازف عن المساهمة في العملية البرلمانية. فقررت أن تخوض السباق وتؤسس لحملات انتخابية أعطت طابعاً جديداً وشكلت حراكاً مختلفاً عما كان عليه الحال في الدورات السابقة.
في تقديري أن الملمحين السابقين قد يكونا الأبرز في سياق القراءة الأولية (غير المعمقة) لنتائج عملية التصويت. وأضف إليها مؤشرات أخرى قد لا تكون طارئة على تفسير العملية ككل, كاستمرار تراجع حضور المرأة في سياق التمثيل البرلماني وهو استمرار متوقع نظير تقلص وجودها في قوائم المرشحين أساساً.
يعنيني في هذه المقالة المبسطة الحديث عن صحار والوضع الإنتخابي العام كدراسة حالة استقرائية. فقد عاشت الولاية أجواء انتخابية تكللت الجهود المبذولة فيها بالتيسير والسداد حتى مرحلة إعلان نتائج الفرز, التي كشفت عن وجهين جديدين يشكلان واجهة الولاية تحت قبة الشورى, والعلامة الفارقة أيضاً أن الوجوه الجديدة تخوض السباق الإنتخابي للمرة الأولى..
بالقراءة العامة للوضع في صحار تشير أرقام السجل الإنتخابي بوزارة الداخلية إلى وجود 28111 مواطن مقيد في السجل الإنتخابي يحق له التصويت في هذه الدورة. مما يعني أن نسبة المشاركة في التصويت على مستوى الولاية بلغت ما يقارب 51% وهي نسبة في تقديري معقولة في ظل الوضع العام للولاية والسياق الإنتخابي الذي جاءت في ظروفه الإنتخابات الحالية. إذا ما علمنا عن تزايد التكوين الديموغرافي لفئة الشباب في الولاية إضافة إلى تزايد أعداد الملتحقين بالسلك العسكري خلال الفترة الأخيرة -مما يعني أنه لا يحق لهم التصويت-, وبالتالي فإن النسبة هنا تشكل نسبة مقبولة في الإطار الإنتخابي العام. ولكن نتساءل : لماذا اختارت الولاية الأسماء التي تشرفت بالفوز في السباق البرلماني..؟!
لندقق بداية في المشهد بشكل عام فإن فوز وجوه جديدة خاضت المغامرة في صحار وقبول المجتمع لفحوى البرامج الانتخابية التي بنيت عليها أهداف المرشحين يعبر عن حالة يمكن تفسيرها من خلال أن المجتمع المحلي للولاية وتحديداً بعد أحداث 2011 أصبح (بيئة اجتماعية قابلة للتغيير) بحيث أن الشروط التي تستعصي على عملية التغيير في ثقافة العمل البرلماني والسلوك الانتخابي أصبحت تتلاشى شئياً فشيئاً. وهذا ما يتضح أساسا من خلال تحليل السياق الاجتماعي الذي أنطلق منه المرشحين الفائزين. فالوجهة القبلية كانت متوقعة لتخدم أسماء أخرى أكثر ثقلاً في الولاية من أصحاب التجارب البرلمانية السابقة. وكذلك الوجهة المتعلقة بالأقليات وكسب أصواتها في الولاية. إلا أن النتيجة تشير في عمومها إلى أن الولاية نجحت في الاختبار نسبياً واستطاعت خلع الردائين القبلي والطائفي في خطوة مهمة يجب أن تستثمر أولاً من قبل المرشحين الفائزين قبل كل شيء إذا ما أحسنوا توظيفها واستغلالها في صالح العمل البرلماني مستقبلاً
ولعلي أتحدث هنا عن المرشح الفائز بالمركز الأول وهو د.محمد إبراهيم الزدجالي والذي حصل على عدد أصوات بلغ 3864 بحسب ما يشير إليه الموقع الرسمي للفرز الآلي لنتائج التصويت وبفارق يزيد عن ألف صوت عن منافسه المباشر الذي حل في المركز الثاني.
أتحدث عن محمد إبراهيم بحكم متابعتي الدقيقة لحملته الإنتخابية منذ بداية مراحلها الأولى وبحكم إطلاعي المتمعن والدقيق على تفاصيل برنامجه الإنتخابي وقد كتبت تحليلين سابقين عنه قياساً بالفئة التي يستند إليها الدكتور في الولوج إلى المجتمع وغرس الأفكار الإنتخابية. وقد شاهدنا في هذه الحملة أنموذجاً مميزاً للعمل قد يكون غير مسبوق على مستوى الولاية. ولكن ما يعنيني هنا إيراد مجموعة من العوامل التي أرى أنها ساهمت بشكل حقيقي في نجاح هذه البرنامج وبامتياز وتفوقه على البرامج الأخرى , أسردها على النحو الآتي :
1- العمل بتخطيط (متوسط المدى) لرؤية الترشح حيث أن نوايا الترشح بالنسبة للمترشح كانت تتضح معالمها قبل هذا العام وهناك الكثير من المبادرات والاجتماعات والورش وجلسات العمل التي كانت تؤسس لهذه الخطوة وساهمت في إخراج برنامج إنتخابي متزن.
2- واقعية الأهداف التي أوردت في الرؤية الانتخابية للمترشح وشموليتها لقطاعات متعددة من المجتمع. وعدم الإسراف أو تهويل الوعود الإنتخابية وإنما العمل في إطار المعقول والمتاح من صلاحيات يتأسس لها العمل البرلماني.
3- الإنطلاق من زواية الشباب لمخاطبة المجتمع: وهذا الإنطلاق ليس كما يتردد عند مرشحين آخرين يضعون الشباب حجر زاوية في برنامجهم الإنتخابي, فلقد كان عامل الشباب في برنامج محمد إبراهيم يشكل (الأداة / الطريق / الغاية) قبل كل شيء وقد تجلى ذلك من خلال اللجان المنظمة للحملة الانتخابية التي اعتمدت على قطاع واسع من الشباب وكذلك اللجان الإعلامية إضافة إلى اللقاءات الدائمة والمنتظمة وجلسات العصف الذهني مع شباب الولاية والتي حققت في تقديري أمرين مهمين : الإقتراب الحقيقي من الشباب وإشعارهم بحجم المسؤولية الوطنية أولاً والاجتماعية ثانيا بحيث يكونون جزءاً لا يتجزأ من عملية التغيير وصنع الفارق , والأمر الآخر كسب شريحة الشباب والدفع بها لكسب المجتمع المحلي بشكل عام.
4- فلسفة مستحدثة لللقاءات الانتخابية : اللقاءات الإنتخابية في هذه الحملة الإنتخابية لم تكن مجرد خطب وعظية أو نقاشات فارغة تجري حين يلتقي المرشح بأفراد المجتمع المحلي فقد اتسمت اللقاءات بعدة خصائص منها ( تنوع شرائح المستهدفين عمرياً ونوعياً, تنوع قطاعات عمل واهتمام المستهدفين واستحداث أفكار لكل لقاء تتناسب مع الشريحة المستهدفة (الشباب , التربويين , عمال القطاع الخاص…) , اعتماد اللقاء كجسلة عصف ذهني وتوليد أفكار أكثر من كونها جلسة تبليغ لرؤى وأفكار انتخابية وإطلاق وعود , الوصول إلى أفراد المجتمع المحلي في مقارهم القروية وخلق حالة نقاش برلماني ديموقراطي مميزة) وفي تقديري أن هذه الفلسفة آتت أكلها من خلال كسب شريحة واسعة من المؤيدين ممن كانوا أساساً ليست لديهم خلفية واضحة عن شخصية المرشح أو وجوده الاجتماعية ومبادراته المختلفة.
5- العمل الممنهج المسبق والذي تلخصه الرؤية الانتخابية (خدمة المجتمع على أسس منهجية) وقد تجلى هذه العمل من خلال دراسة ميدانية استطلاعية لحصر أولويات الأفراد في الولايات من مواضيع للنقاش تحت قبة مجلس الشورى فيما يتعلق بالخدمات التي تحتاج إليها الولاية وأولويات الخطط التنموية ومبادئ سيرها. وقد قام على هذه الدراسة شريحة من أفراد المجتمع المحلي أنفسهم مما يشعرهم أيضاً أنهم جزء أساسي وفاعل من العملية. وهذه الخطوة إذا ما تم تعزيزها بخطوات عمل ممنهج آخر في سياق ممارسة العمل البرلماني فإنها في تقديري ستشكل إسهاماً مهما في مسألة تمثيل الولاية ومخاطبة المعنيين تحت قبة المجلس بأوضاعها وعدم الاكتفاء فقط بالبيانات الرسمية الصادرة عن جهات بعينها. وإنما تفعيل السلوك البرلماني للعضو بالبحث وتكوين مصادر معرفية وإحصائية يواجه بها البيانات الرسمية التي تحاول بشكل أو بآخر إظهار الصورة المثالية للعمل الخدمي والمؤسساتي في الدولة.
6- الوجود الفاعل للمرشح في أنشطة الولاية وفعالياتها وخصوصا تلك الفعاليات الثقافية والرياضية التي يتواجد فيها الشباب مما أوجد حس شبابي عام موالٍ للأهداف المرسومة وللبرنامج الانتخابي.
هذه في تقديري 6 أسباب رئيسية أبانت لنا عن رؤية مرشح جديد للولاية تتسق أهدافه ورؤاه مع عمل ممنهج وتتسم بواقعية في إطار الصلاحيات المتاحة. ويبقى ختاماً أن نقول أن الصفحة التي طويت برغم كونها شاقة جداً على كل المرشحين إلا أن الصفحة القادمة تحمل من التحديات الضخمة ما هو أكثر مما سبق. فالعمل البرلماني القادم هو الواجهة التي يواجه بها المترشح ليس فقط البرلمان المنتخب وإنما أيضا الأصوات والآمال المعلقة من أفراد المجتمع المحلي لولاية تبدو المعادلة فيها صعبة وشاقة جداً. فقد كتبت ليلة إعلان النتائج أن الفائز من مرشحي صحار سيكون أمام ثلاث معادلات صعبة لهذه الولاية العريقة (التاريخ , الإصلاح , التغيير).
تعليق واحد
التعليقات مغلقة.
متميز بكتاباتك كما كنت دوما..