كنبه/ مبارك بن خميس الحمداني
مفهوم “إدارة الأزمات” من المفاهيم الأصيلة في إطار (علم العلاقات العامة / علم إدارة العلاقات العامة) ويعبر عن الطرق العلمية والأساليب التي تتبناها مؤسسة أو جهة معينة في كيفية احتواء أزمة معينة وإدارتها بالتغلب على سلبياتها والاستفادة من إيجابياتها ومنع تفاقمها في إطار مجتمع عمل المؤسسة.
وقد نجد في أدبيات العلاقات العامة وأدبيات الإدارة تعاريف موسعة لهذا المفهوم نتيجة للضرورات الاقتضائية التي يفرضها وخصوصا مع تعقد مؤسسات العمل وتوسع نطاقات الدولة وزيادة وعي الجماهير وارتقاع المستوى الثقافي في الوسط العام. من هنا فإن إدارة الأزمات كمفهوم هو مفهوم يتسع في تحرك أفقي وعمودي بين الدولة ككيان (أكبر) وبين أصغر المؤسسات التي تتعامل مع الجمهور في المجتمع.
وفي المقابل صكّ الباحثون في هذا السياق مفهوم آخرا يعبر عن طريقة من طرق إدارة الأزمات ولكنها طريقة عكسية وهي (الإدارة بالأزمة) ويعرف هذا المفهوم بإنه “افتعال الأزمات وإيجادها من عدم كوسيلة للتغطية والتمويه على المشاكل القائمة التي تواجه الكيان الإداري”.
بمعنى أن تكون لدينا على سبيل المثال مشكلة كبرى تواجه الدولة اقتصادياً. فتلجأ الدولة إلى صرف أنظار المجتمع عنها وإشغالهم عن تداولها ونقاشها والبت فيها من خلال افتعال مشكلة أخرى بالنسبة للدولة هي أقل حدة ولكنها للمجتمع تظل مشكلة مهمة وتستحق النقاش كأن تطلق في المجتمع مثلا مشكلة ارتداء طالبات الجامعات للعباءات الملونة وحظر هذا التصرف في المؤسسات الأكاديمية. فتجعل المجتمع منشغل تماما بنقاش هذه القضية والبت فيها واعتبارها قضية الرأي العام الأساسية وبالتالي تصرف نظره عن القضية الأساسية والكبرى التي تواجه الدولة وهي الأزمة الاقتصادية.
والناظر في أحوال مجتمعاتنا العربية اليوم والخليجية منها على وجه التحديد وخصوصا في ظل الأحداث والتحولات السياسية التي تشهدها المنطقة يجد أن مفهوم “الإدارة بالأزمة” يتجلى يوماً بعد يوم في إطار عمل الكثير من الحكومات والأنساق الإدارية في هذه المجتمعات. وذلك يتضح من خلال القضايا التي يناقشها أفراد المجتمع في جلساتهم وعبر منصات تفاعلهم الاجتماعي وفي مواقع عملهم وفي حواراتهم وأحاديثهم اليومية.
أنظر اليوم إلى حوار المجالس الخليجية وستتلمس (عكّ) مبالغ فيه في مسألة الهوية وخوف الناس على هويتهم من الإنهيار وفي تقديري فإن هذه المرحلة من أكثر المراحل في عمر مجتمعاتنا الخليجية يتم فيها علكة هذا الموضوع بصورة غير مبررة وبصيغة مبالغ فيها. وستجد في أحاديث الناس خوفاً على الدين والتدين وأنت تشاهد الجوامع تنتشر في بلادنا أكثر من أي شيء والشباب ولله الحمد لا زالو يسابقون كبار السن في ارتياد المساجد والحفاظ على الفرائض والالتزامات الدينية.
انظر إلى ما يتداوله الشباب عبر منصات التفاعل الاجتماعي ستجد مئات الآلاف من التغريدات تجلد في شاب أو شابه ارتكب فعلاً اجتماعيا أو أخلاقيا خارج حدود العرف فأنهال عليه الآلاف بالجلد بسوط الأعراف وصوت المجتمع. وقد لا تكون لهذا الشخص أي قيمة اجتماعية مؤثرة. ولكن المجتمع بدأ يلهث في البحث عن (علكة) يمضغ فيها أفكاره وآهاته ويهرب بها من عنق المشكلات الحقيقية التي تواجهه..
وأتذكر حين حدثت مشكلة (أصحاب الحافلات المدرسية) مع بداية العام الدراسي أصبحت حديث الشارع العام واستمر (العكّ) فيها لأسابيع وكأنها قضية المجتمع المصيرية التي لا شيء يضايهيها.
وفي حالة (التوهان العام) التي تصيب المجتمع اليوم فإنك تفتقد للأصوات الحقيقية التي تتلمس المشكلات الكبرى والمصيرية التي تواجه المجتمع كمشاكل العجز الاقتصادي ومشكلات تردي مخرجات التعليم والمشكلات المقبلة على مستوى الإسكان. ومستوى جودة الخدمات الصحية. وغيرها من المشكلات والقضايا المحورية.
وفي ذلك كله أقول أن المجتمع لا يفقد بوصلة النظر إلى مشكلاته الحقيقية والمصيرية إلا بفعل فاعل يوجه اهتماماته ويظهر له المشكلات الصغرى والهامشية على إنها مشكلات مصير ووجود. وهذا الفاعل يتجسد عبر عدة منصات منها منصة الخطاب الإعلامي وما يناقشه وكذلك الخطاب الديني المتمثل في المنابر والخطاب التعليمي والذي لا يتجسد فقط فيما يتداول عبر الكتب المدرسية وإنما ما يبثه المعلمون أيضا في نقاشاتهم في حجر الدراسة. وكذا الحطاب الأكاديمي الموجه وغيرها من المنصات التي توجه الرأي العام..
لن أوجه رسالة للقيمين على هذه المنصات وأشكال الخطاب الموجه المختلفة. فصدى المقال قصير جداً ولا يتسع ولكنها رسالة لك عزيزي القارئ :توقف الآن أمام كل قضية تتحمس لمناقشتها والبت فيها والصراع عليها وتساءل مع نفسك.. هل هي على قدر كبير من الأهمية لأن تكون قضية مصير أم أن هناك ما هو أدهى وأمر يتوجب منا الوقوف عليه والنقاش فيه والتعمق في تفاصيله لكي لا نزيد طينة الأزمات “بلة”