جماهير صحار

حيث للجمهور معنى

ادبيات

‏هل ستفرح بتخرجك ؟

مبارك بن خميس الحمداني
منذ تخرجي من جامعة السلطان قابوس في يوليو من العام الفائت 2015 وأنا أتردد بين الفينة والأخرى على فترات متباعدة على أروقة الجامعة بين لهفة للقاء بعض الزملاء أو الحديث إلى مع أفراد الكادر الأكاديمي. وبين بعض المشاريع البحثية هنا وهناك أو ارتياد المكتبة الرئيسية. وفي كل زيارة ألحظ الهواجس نفسها وعلامات القلق ذاتها التي ترتسم على محيا وعقول بعض الزملاء خصوصا أولئك الذين قاربوا مشارف التخرج..
يستوقفك زميل تصادفت معه في أحد المقررات الدراسية ليسألك : “بشرني كيف توظفت ؟” والمقصد ليس السؤال عن ذاتك أو الأطمئنان عليك وإنما يسألك ليستقرئ ما يمكن أن يكون عليه مستقبله خصوصا ما لو كان في ذات التخصص.
تجلس في أحد المكتبات الجامعية يأتيك زميل آخر ويكرر سؤال يرمي إلى نفس المغزى : “طمني كيف سوق الوظائف ؟ ” “كيف بنحصل وظيفة بعد ما نتخرج ؟ ” “كيف شفت التخصص مقبول في سوق العمل ولا ما له وظائف ؟ “..! وغيرها من الأسئلة التي تعكس حالة من القلق العام في أوساط الطلاب في البيئة الأكاديمية بشكل عام وحالة الهواجس المتنامية التي تتزايد يوماً بعد آخر حول وضع سوق العمل والمآلات التي قد يؤول إليها مسارهم الأكاديمي والتي ينتهي بهم عندها سوق العمل.
يحادثني أحد الزملاء ممن لا زالوا على مقاعد الدراسة الأكاديمية قبل أيام طالباً رأيئ في فكرة تلوح في رأسه حيث ينوي تغيير تخصصه فقط ليطول فترة بقائه في الجامعة يقول : “عسى بعد هذه السنوات أن يتغير الحال في سوق العمل, ربما تتعدل الأوضاع الاقتصادية حينما أتخرج وأحصل على وظيفة مباشرة حينها”.. وغيرها من العبارات الافتراضية التي تحلق في خانة الأمنيات. وأقول أن الوضع حين يصل لحالة الإرباك هذه فأعلم أن المشكلة قد تفجرت تبعاتها وإرهاصاتها للحد الذي يستوجب فيه إعادة النظر ليس فقط في وضعية سوق العمل وإنما أيضا في طبيعة الأوضاع النفسية والأكاديمية التي يعايشها الطالب الجامعي عند المنعطفات الأخيرة من المشوار.
أعرف الكثير من الزملاء الجامعيين ممن يقفون على بعد أيام من موعد تخرجهم الرسمي من الجامعات والكليات ولا أجد في دواخلهم أو على محياهم تلك الفرحة الأزلية التي لطالما سمعنا عنها أو عشنا جزءاً منها أو تلك التي يتغنى بها الكثيرين ويضرب بها الأمثال على اعتبار أنها مرحلة فارقة في مشوار حياة الفرد تؤذن بنهاية مرحلة مهمة وتعلن بداية مرحلة أخرى بالغة الأهمية تتشكل فيها القوامات الأساسية لحياة الفرد ووجوده الاجتماعي ومقدرات انتاجه ومساهمته في خدمة مجتمعه.
تشير الأرقام الرسمية وأضع ألف خط تحت كلمة “الرسمية” الواردة من الهيئة العامة لسجل القوى العاملة إلى أنه حتى مايو 2016 بلغ عدد الباحثين عن عمل ما يقارب 49 ألف شخص مسجل بصفة رسمية في السجل. من هؤلاء ما يقارب 14980 حملة شهادة البكالوريس. ويتوقع بنهاية عام 2016 أن يصل عدد الباحثين عن عمل إلى 75 ألف باحث. وأكرر بحسب المؤشرات (الرسمية)..!
لن نتحدث عن المؤشرات وإرباك المؤشرات ومشكلة الباحثين عن عمل فهي (الجدار) الوحيد الذي لو كتبت فيه من اليوم وحتى مائة عام لن يمتلأ ولن يتغير مظهره. هي القضية الشائكة التي أوقعنا أنفسنا فيها بفضل عدة عوامل منها طبيعة التدابير الإقتصادية ومنهجية خلق الأزمات داخل الإقتصاد (العاجز) أساسا منذ زمن عن تأدية أدواره ومفاعليه في سياق البناء الاجتماعي للمجتمع.
ولكن حديثي هنا عن حالة الإرباك التي تدخل هؤلاء الذي يقفون على مشارف تخرجهم في معمة التفكير في القادم مما يؤثر سلباً على أفق طموحهم الجامعي. وربما يقلص على المدى البعيد من مساهمتهم في إثراء البيئة الأكاديمية بإبداعهم أو حتى بذل الجهد المعهود لتأديهم مهامهم الأكاديمية. وهذه الحالة إن استمرت ستنعكس لا محالة على مسارات الطموح أيضاً بحيث تدفع بالكوادر الشبابية نحو سلك مسارات أكاديمية بعينها هي (المسارات الأكثر طلباً) فيما يتعلق بسوق العمل وبالتالي سوف نعود إلى ما كان عليه الوضع قبل 2011 وجدلية (التخصصات العلمية والتخصصات الإنسانية) وربما نخوض في جدليات أعمق من هذه الجدلية.
وإذا ما تحدثنا عن مرحلة البحث عن عمل وإرهاصاتها فتلك مرحلة أخرى يطول فيها الحديث حيث إنها من أكثر المراحل حساسية في مسار حياة الفرد وتكوين شخصية فإما استثمار حقيقي لمخرجات وبنى المعرفة والمهارات التي اكتسبها من البيئة الأكاديمية وإما هدر ولا مبالاة تنتهي إلى ضياع هذه المخرجات عند أول عتبة فراغ يخوضها الفرد وهنا مكمن الأزمة الذي أدعو فيه مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسات الأكاديمية إلى وضع برامج جادة مشتركة لدراسة هذه الفترة بالتحديد وإيجاد حلول مهنية وبرامج تطويرية تستهدف ايقاف نزيف المخرجات وهدر بنى المعرفة التي يتلقاها الطالب من البيئة الأكاديمية.
يجب أن لا نكون ورديين أكثر من اللازم ولا نرسم أحلاماً وردية. الوضع الاقتصادي وتبعاته الاجتماعية القادمة لا تبشر بمآلات جيدة ومن هنا فإن التحرك الجاد والمثالي هو أن نضع التدابير لتفادي تفاقم مشكلات هذه الأزمة ومن أهمها الأوضاع النفسية والاجتماعية التي يعايشها الفرد الباحث عن عمل. إنها قوة بشرية ومعرفية ومهارية هائلة متوقدة تخفت مع الأيام وتذبل مع تضاؤل الفرص ولو تحركت مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسات الأكاديمية لاستثمار هذه الطاقة بشكل جاد وحقيقي – وهنا لا أتحدث عن التوظيف المباشر – لأمكن لهذه المؤسسات تطوير مقدراتها والنهوض بإمكاناتها وقدراتها. 
لماذا لا يمنح هؤلاء الشباب الفرصة للدخول في مشاريع بحثية ضمن نطاق المؤسسات الأكاديمية. ولماذا لا تخصص لهم حاضنات حكومية يمارسون فيها مهاراتهم وقدراتهم وينتجون فيها بعيداً عن أعذار المؤسسات الحكومية والخاصة. لماذا لا يدمجون في فرق العمل والمشاريع الحكومية لاكتساب الخبرة المزعومة على أقل تقدير. ولماذا لا توظف قدراتهم لإنجاز الأعمال الروتينية التي يتحجج بها الموظفين في المؤسسات الحكومية. الأفكار كثيرة والمآلات جمة. ولكن من يتفقه..
أرجوكم : لا تقتلوا فرحة تخرجهم..!