” اليوم العالمي للغة العربية ”
( 18 ديسمبر )
في خمسينيات القرن الماضي ظهرت بعض المحاولات للنيل من اللغة العربية ومعلميها ،والتي وصفت بأنها محاولة اغتيال لهذه اللغة العظيمة ،وبطبيعة الحال يأتي المستعمر الغربي لبلدان الوطن العربي في مقدمة المتهمين لهذه العملية ،كما أن اللغة العربية تعرضت من الداخل ونقصد هنا من داخل المجتمعات العربية إلى مجموعة من الظواهر والعوامل تسببت في ضعف مستوى اللغة العربية بين أفرادها وكذلك إلى تدني المستوى التعليمي للغة العربية في المؤسسات التعليمية بالوطن العربي.
وعند الحديث عن دور المستعمر الغربي في محاولة القضاء على اللغة العربية أو بمعنى آخر المتسبب الحقيقي في ضعف اللغة العربية ويتجلى ذلك من كون الاستعمار هو السبب الرئيسي في تخلينا عن الاهتمام بلغتنا العربية والتي هي بطبيعة الحال لغة القرآن الكريم ، حيث يهدف الاستعمار إلى توجيه الأقطار العربية إلى تعلم لغات أجنبية والسبب في ذلك أن المحتل أدرك أن اللغة العربية هي روح هذه الأمة الإسلامية وهي رمز وحدتها وبقائها ، ولذلك اجتهد وسعى إلى تدمير هذه اللغة من خلال خطة وضعها تهدف إلى تقديم اللغات الأجنبية على اللغة العربية في الأقطار الإسلامية والعربية ،وكذلك سعى إلى تقديم اللهجات واللغات المحلية على اللغة العربية الفصحى ،كما أنه كانت هناك دعوات إلى كتابة اللغة العربية باللغة اللاتينية ،وأيضا لهم محاولات في تطوير اللغة العربية الفصحى حتى تقترب من العامية ، وأضف إلى ذلك محاولتهم في تطبيق مناهج اللغة الأوروبية في التدريس وكذلك في دراسة اللهجات العامية ،وهناك الكثير والكثير من الخطوات والمحاولات التي أراد بها الغرب من إبعاد المجتمعات العربية عن لغتهم الفصحى ، وهم بذلك يسعون إلى أن نتحلل من الأصول والقواعد التي صانت لغتنا خلال القرون المنصرمة من الزمن ، وكذلك إلى صرف الأنظار عن علاقة اللغة بالدين.
أما الحديث عن العوامل الداخلية التي تسببت في ضعف اللغة العربية بالمجتمع العربي فهي أدهى وأمر ، وخصوصا عندما يكون الخلل في المؤسسات التي يفترض منها المحافظة على اللغة العربية وكذلك إلى وضع الخطط والبرامج التدريبية والتعليمية لأفراد المجتمع من أجل المحافظة على هوية اللغة العربية، ولكن للأسف الشديد ظهرت عوامل ساعدت على هذا التدني والضعف في لغتنا العربية ، ولعل أبرزها هو ذلك المعلم الذي لم يحظ على إعداد جيد خلال فترة تدريبه ، كما أن معظم الأقطار العربية وجدت فيها الازدواجية بين استخدام العربية الفصحى واستخدام العامية في حصص اللغة العربية وغيرها من المواد التدريسية ، وكذلك ازدحام مناهج النحو بكثير من القواعد مع صعوبتها ، كما أن الطالب لم يحظ بكثير من حصص القراءة الحرة في مختلف المراحل التعليمية ، وأيضا قلة استخدام الوسائل التعليمية المعينة على تعليم اللغة ، ولو نظرنا إلى الإعلام وإلى الحركة الثقافية بالوطن العربي ، وكيف تعاملت مع اللغة العربية ومعلميها لوجدنا البعض منها قد أساء كثيرا لهذه اللغة وإلى ذلك المعلم الواجب احترامه وتقديره مع بقية معلمي المواد الأخرى ، ونجد ذلك من خلال ظهور بعض الأفلام والمسرحيات الساخرة من مدرسي اللغة العربية ، حيث أظهرت المعلم بشكل مضحك وذو جسم بدين ، ماسكا عصا يضرب بها الطلبة وهم يضحكون عليه ويرمونه بالطباشير ، وفي مشهد آخر يتزوج معلم اللغة العربية من مغنية تقوم بالتغني بأغاني تسخر فيها من اللغة العربية ، وهناك الكثير من الكارتيرات التي تسخر من مفردات وجمل لغتنا العربية ، وبطبيعة الحال كل هذه الأمور ما هي إلا سموم دسها الاستعمار الذي سعى إلى المباعدة بين أفراد كل مجتمع وبين لغتهم القومية وهي اللغة العربية لغة القرآن الكريم.
وفي الطفرة الصناعية التي شهدها العالم ووصل تأثيرها وامتدادها إلى الوطن العربي ، كان لهذه الثورة الاقتصادية تأثير كبير على اللغة العربية ، لأنها ألزمت المجتمعات العربية باستخدام اللغة العالمية أو ما يسمى لغة التجارة والاقتصاد فأصبح ينظر للفرد الذي يتحدث بهذه اللغة الاقتصادية محل احترام وإعجاب سواء عند الأفراد أو في المؤسسات ، وبالتالي وجد معلمي اللغة العربية أنفسهم في وضع صعب ويكاد أن المجتمعات لم تعد تعير إليهم أي اهتمام ، مما دعا إلى كثير من الشباب إلى تعلم هذه اللغة الأجنبية بشكل مكثف أكثر عن اهتمامهم بتعلم اللغة العربية.
اليوم بدأنا نسمع بوجود ضعف في اللغة العربية وخصوصا في القراءة بمعظم المجتمعات التعليمية العربية، وبالتأكيد مسببات هذا الضعف تختلف في هذا الزمان عن الأسباب التي وجدت في جيل الألفية المنصرمة، وفي هذا اليوم العالمي نحاول التذكير ، حول ضرورة أن نتعاون جميعا أفرادا ومؤسسات نحو وقف هذا النزيف بلغتنا العربية .
حميد بن فاضل الشبلي
humaid.fadhil@yahoo.com