منافسات الفرق الأهلية وسوسيولوجيا التعصب والمشاجرات
بقلم: مبارك بن خميس الحمداني
كنت أتحدث لأحد الزملاء قبل أيام عن ظاهرة المشاجرات التي تحدث في مباريات الفرق الأهلية أثناء المنافسات المحلية الداخلية. ونتساءل حول مبررات مثل هذا السلوك أو الاعتقاد.
بمعنى آخر كيف يمكن فهم هذه الظاهرة في ضوء أن هذه المنافسات أساساً لا تمثل منافسات ذات قيمة رياضية عالية المستوى. ولا أن العائد سواء الرياضي منها أو المادي يشكل تلك الأهمية والقيمة بمكان بما يدفع بالمتنافسين لمثل هذا السلوك. دعنا نتحدث على مستوى الولاية – ولاية صحار– لا تكاد مباراة من مباريات الفرق الأهلية – على الأقل فيما تابعت– تخلو من سلوك عنف أو على أقل تقدير مشاجرات ومناوشات بين اللاعبين أو الجماهير أو الإداريين. ولا تتوقف حدة هذه المشاجرات على إطارها في داخل ساحة المنافسة وإنما قد تمتد إلى خارج المنافسة من خلال التصعيد على المستوى الاجتماعي والتوعدات الناشئة من هنا وهناك. مما يكلف إدارات الأندية وهنا لا أتحدث عن صحار بذاتها وإنما بشكل عام يكلفها الكثير من العبء في حلحلة مثل هذه التمظهرات والتعاطي معها.
ما الذي قد يعيننا على الفهم في هذه الحالة؟ وهل الأمر متعلق أساساً بالمنافسة الرياضية لذاتها؟ أم أن هناك عوامل دخيلة (متغيرات) تساهم في توليد مثل هذه الظواهر في ملاعبنا. وفي المدرجات وعلى مستوى الإدارات الرياضية؟ تلك أسئلة علينا ألا نكتفي بإجاباتها المباشرة والسطحية. نحن أمام ظاهرتين مزدوجيتن. تشكلان على صعيد التحليل دائرة (تولد كل منهما الأخرى) وهما ظاهرتي (التعصب الرياضي الذي يولد العنف الرياضي). والذي يختلف عن بقية أشكال العنف أنه يدور في خط دائرة في حياة المجتمع الرياضي بمعنى أن (العنف الرياضي قد يولد في مرحلة لاحقة شكلاً من أشكال التعصب). قد تكون هذه معادلة عصية على الفهم. ولكن لنحاول تحليلها بشكل بسيط.
الكثير من المشاجرات التي تحدث قد يكون دافعها أو مسببها التعصب أو الانتماء المبالغ فيه لكيان معين وهذا سياق طبيعي. لكن الأمر غير المفهوم هو كيف أن العنف قد يولد نوعاً من التعصب أو من الارتباط التاريخي بالعنف. بمعنى أن يقول لك أحدهم (لن أترك انتمائي لهذا الفريق طوال حياتي حتى أرد دين الفريق الذي شاجر في المباراة الفلانية. أو الجمهور الذي ناوش في المباراة الأخرى).
لنعود مرة أخرى لتقصي الأسباب الكامنة خلف هذا التعصب والعنف رغم تواضع مستوى المنافسة. الأسباب في تقديري هي (دوافع نفسية واجتماعية) مصدرها المجتمع والحياة الاجتماعية للأفراد أكثر من كونها مرتبطة بالمنافسة الرياضية. وعلينا إذا ما أردنا الوصول لإجابات حقيقية حول أسباب هذه الظواهر أن ننظر في نمط الحياة والظروف والعوامل الاجتماعيين للقائمين بالتعصب (مستوى الثقافة – مستوى التعليم – المشكلات والتأزمات الاجتماعية التي يواجهونها – الأوضاع الاقتصادية التي يعيشونها – ماذا تمثل المنافسة في محورية حياتهم).
أنا هنا أذهب للتفسير وفق مقاربة مدرسة التحليل النفسي لفرويد الذي يرى أن اللاشعور في الذات الإنسانية يمكن تبريره وفق مجموعة ميكانزمات مثل الإسقاط والإزاحة والتبرير. “والإسقاط تحديداً هو عملية تلجأ إليها النفس البشرية في حلها للصراع الدائر في الشخصية حول دافع نفسي معين حيث تتخلص من هذا الدافع فترميه أي تسقطه على عامل خارجي“. بمعنى أن ثمة عوامل نفسية واجتماعية يعاني منها الفرد المتعصب أو السالك لسلوك العنف ويحاول اسقاطها على إطار المنافسة. فليس بالضرورة أن يكون سبب التعصب أو العنف هو طبيعة المنافسة الرياضية ومحدداتها. على الجانب السوسيولوجي علينا أن لا ننسى دور الإعلام الرياضي وأعني هنا تحديداً (إعلام التواصل الاجتماعي) الذي أصبح إعلام الفرد وإشعالة لجذوة هذه المنافسة وتغذيته للكثير من دوافع التعصب والعنف لدى المتنافسين.
ما أريد قوله هنا أن التعصب والعنف الرياضي على كل المستويات بما فيها الفرق الأهلية يثير أسئلة متوالية حول واقع فئة مهمة من فئات المجتمع وهي فئة الشباب أوضاعها النفسية والاجتماعية والاقتصادية وتصوراتها إزاء واقعها المعاش. وليس بالضرورة أن نحكره بفكرة المنافسة الرياضية التي لا ترقى أن تكون أساساً منافسة في بطولاتنا وملاعبنا.
علينا فقط أن نطرح الأسئلة ونفكر بشكل أعمق. لماذا يفعلون ذلك في حيز منافسة ضيق لا يستحق ولا يتمثل أن يكون ساحة صراع؟!