” الأمة تودع علي ليلة ”
قبل ثلاثة أسابيع غادر الحياة الدنيا الاستاذ الدكتور علي محمود أبو ليلة رحمه الله ، أحد علماء وأساتذة مدرسة علم الاجتماع في العصر الحديث ، وأستاذ النظرية الاجتماعية بجامعة عين شمس ، ودعته الأمة الإسلامية وعالمنا العربي وجمهورية مصر العربية بوجه الخصوص ، إلا أن مكانة وقدر هذه القامة العلمية في هذا الزمان لم تحظ بتغطية إعلامية ولم تتناقله شبكات التواصل الاجتماعي ، مثل ما يحدث عندما يصاب أو يتعرض لحادث أحد الشخصيات الفنية والرياضية المشهورة ، كما أن خبر وفاة العالم الجليل لم يحصل على أكبر نسبة مشاهدة عند الشباب ، مثل ما تحصده مشاهدة رسائل أو مقاطع أصحاب السذاجات ، وعلى الرغم أني مشترك في العشرات من مجموعات الواتساب ، إلا أنه كذلك للأسف الشديد لم أشاهد تداول للخبر إلا في مجموعة واحدة ، مع أن أخبار أغلى فستان وأكبر كعكة وأجمل تسريحة تتسابق المجموعات في بثها ونشرها ، كل ذلك سببه يرجع إلى إعطاء الجانب الثقافي والعلمي والتنويري حيز قليل من الاهتمام ضمن مفهوم الثقافة في الوسط الاجتماعي العربي ، سواء كان ذلك على مستوى المؤسسات أو على مستوى الأفراد .
واحتراما للمدرسة التي تتلمذت على أساتذتها الأجلاء ، عليه سوف أحلق معكم عن جزء بسيط لشخصية الأستاذ الدكتور علي محمود أبو ليلة رحمه الله ، الذي تطلعت للاستقاء بعلمه مع بقية الأساتذة الكرام بجامعة عين شمس ، ولكن ساعة المنية وقدر الله لم يجعل لي نصيب في الالتقاء بهذا العالم الجليل ، رحل هذا الأستاذ القدير الذي كان أحد رموز قسم علم الاجتماع بجامعة عين شمس ، كما رحل قبله أساتذة وعلماء كبار في مدرسة العلوم الاجتماعية بجمهورية مصر العربية مثل الأستاذ الدكتور محمد مجدي بيومي والأستاذ الدكتور السيد عبد العاطي رحمهم الله جميعا ، الذي كتب الله لي الشرف بأن أكون أحد تلامذتهم في مرحلة الماجستير بجامعة الإسكندرية ، وفيما يخص فقيد العلم والمعرفة بجامعة عين شمس ، إليكم بعض من تاريخه وإنجازاته العلمية والثقافية والفكرية رحمه الله ، بدأ أبو ليلة تدرجه الوظيفي عام 1964م بمسمى باحث بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة ، وخلال سنوات عمره المفعمة بالنشاط العلمي والثقافي ، كانت لهذا العالم الاجتماعي العديد من الإسهامات والإنجازات ، ففي مجال العضوية العلمية كانت له مشاركة في أكثر من ( 40 ) لجنة علمية ، في حين هناك ( 115 ) مشاركة هي عدد المؤتمرات والندوات العلمية التي شارك فيها عالمنا الجليل ، وله كذلك ( 41 ) إصدار من المؤلفات والدراسات العلمية ، و ( 27 ) من البحوث الميدانية والتطبيقية المنشورة ، إضافة إلى العديد من المقالات والإسهامات العلمية التي تم نشرها له في مختلف الوسائل الإعلامية المكتوبة والمقروءة ، كما كان له مجموعة من كتب الترجمة ومحصول وافر من الأنشطة المجتمعية المختلفة في الوسط الاجتماعي ، كذلك كانت له جهود وأنشطة أكاديمية أخرى لا يمكن لنا أن نذكرها كلها في هذه العجالة ، كما ساهم في وضع خطة مشاريع لإنشاء معاهد للتدريس الاجتماعي والنفسي إضافة إلى أنه أعير للتدريس بكليات الآداب في بعض من الدول العربية ، لذلك فإن شهادة الأستاذ الدكتور محمد الجوهري في ثمانيات القرن المنصرم ، تعتبر وسام فخر للمرحوم بإذن الله وتنبو بعالمية هذا الإنسان ، عندما وصف رسالة وكتاب الدكتور أبو ليلة الذي حمل عنوان ( بناء النظرية الاجتماعية ) بأنه أصبح من أبرز منظري هذا العلم على مستوى الناطقين بالضاد ، وأن هذا العمل سوف يرقى بالبحث السوسيولوجي العربي إلى آفاق رفيعة ، يحلق فيها إلى جانب المدارس النظرية التي عرفتها البلدان التي سبقتنا شرقا وغربا ، لذلك فإن الحديث عن شخصية هذا العالم العربي لا يكفيه مقال قصير ، وإنما ينبغي أن يؤلف له كتاب يتحدث عن سيرته المجيدة ، ليتعلم أبناء اليوم عن أسماء علماء الأمة ومفكريها ، الذين طمرت أسماءهم رياح العولمة وأشغلتهم بالبحث والتعرف على أصحاب المجون واللهو ، لذلك سردت لكم هذه الشخصية بصورة عاجلة ، وذلك استجابة لما تمليه علينا أخلاقيات احترام العلم والعلماء والتوعية بإنجازاتهم ، وتعريف شباب اليوم بتاريخهم المجيد .
حميد بن فاضل الشبلي
humaid.fadhil@yahoo.com