روايةٌ من صحار
مبارك بن خميس الحمداني
أراهن أن كل صحاري على أرض صحار الألق اليوم يتمنى أن يكون أحد أمرين. إما أن يكون شاعراً يقتطف من مشاهد البهجة والثراء التي تعتمر قلب كل صحرواي وتمارس حضورها في ساحات صحار قاطبة. يقتطف منها صدر بيت أو عجزه ليطرز مسيرة شعره بالجمال والفتنة. أو أن يكون روائياً يؤرخ لللحظة بفتنة قلبٍ وإبداع قلم..
ولو قدر لي أن أكون روائياً لكتبت رواية من أربعة فصول اختصر فيها لحظة تاريخية يسارع الكل في صحار للقبض عليها. فهذا الأسبوع وحدهم الصحاريون على وجه الكرة الأرضية من يتمنون أن لا تنطوي دقائقه بسرعتها المعتادة بل أن يتضاعف زمن الدقيقة الواحدة ليعيشونها عمراً مع كل لهفة قلب. ومع كل دعوة تعانق السماء. مع مشهد أولئك المبتهجين الذين ينثرون فنونهم في أرجاء صحار. مع مشهد الحالمين الذين تعانق أعلامهم وأوشحتهم وعباراتهم أهبة المنازل ونواصي الولاية وشوارعها. مع مشهد أولئك المتوحدين مع أحلام الجمهور الساهرين على اخراج لوحة فارقة الجمال تليق بصحار وفتنة صحار والسياق التاريخي الذي تعيشه صحار..
في الفصل الأول من روايتي: سأكتب حكاية جمهور يجمع القوة الفتاكة بالفن حد التماهي والطرب. جمهور إذا حضر وأراد وراهن حول مدرجه من مجرد ساحة للفرجة إلى ترسانة قوة تحرك الأقدام والإقدام وتدفع برجالات الأخضر قدماً نحو تحطيم المستحيل وكسر تابوهات الصعب. جمهور قاد فريقه باقتدار إلى هذه المرحلة وكان الرقم الأول ثم الأول ثم الأول في صنع هذا الحدث التاريخي. أكتب ذلك وأنا أتذكر ثورات المدرج في مواقف عدة ليس آخرها سوى الشوط الثاني من مباراة إياب نصف نهائي الكأس الغالية. حين انفجر المدرج فانفجر كل شيء معه. ثم ختمها طرباً بعبور واعد إلى نهائي الحلم المنتظر. وكأنه فرقة اوركسترا تداعب عمق اللحن تحت الأضواء الكاشفة وفي حضورها يتحول الملعب من مجرد ساحة لللعب كرة القدم إلى سهرة موسيقية تأسر قلوب العاشقين.
في الفصل الثاني من الرواية: سنعرج نحو فريق هزم الأبجدية بجماله. وغير خارطة التاريخ بإقدام لاعبيه. وبدل ملامح الجغرافيا ووجه بوصلة الوقت نحو صحار ليقول رجالاته “المستحيل ليس صحارياً”. رجالات صحار تعاهدوا المضي نحو هامة القمة. حين تشاهد دموعهم بعد كل هزيمة تدرك كم هو عمق صحار مغروس في قلوبهم. وحين تشاهد سجداتهم بعد كل انتصار. تحمد الله على نعمة صحار. عانقوا الكبوات ولم يبقوا رهين قبضتها. أرادوا للمجد أن يكون صحارياً. انتقدناهم كثيراً. فأثبتوا أنهم مثل الطيب المبخر كلما احترق كلما فاح جماله عبيراً.
في الفصل الثالث سأعرج نحو: رجالٌ جسدوا الوقفة الحقيقية لصحار. إدارة صنعت الفارق. صبرت كثيراً وتحملت مشقات الدرب كثيراً. تعاهدت أن يسير المركب نحو الانجاز بخطى ثابتة وبهدوء. رغم تلاطم الأمواج. وداعمين حين استشعروا عمق الوقت وأن التاريخ قارب أن ينصف هذا الكيان أثبتوا باقتدار وقفتهم. وتسابقوا نحو العطاء ومهدوا لتكاتف فاعلٍ سينقل صحار فيما لو استمر نقلة نوعية فارقة تجعل من النادي محط الأنظار على كافة المستويات. تبقى أن نقول أننا نأمل أن تكون هذه الوقفة بداية طريق لنادٍ يستحق ما هو أكثر. ولولاية تراهن كثيراً على عزم رجالاتها ليصنعوا لها فارقاً في محيطها العماني وبين قريناتها.
في الفصل الرابع: سأرسم أكف كهل تعانق السماء بابتهال ودعوات أن ينصف التاريخ صحار. وابتسامة أمهات ترى شغف أبنائها بصحار. فلا تملك سوى أن تتبع بقلب حانٍ هذا المشهد مقروناً بالتضرع أن يتحقق الحلم. سأرسم حلم عاشقٍ أصيل يرى أن كل السنوات التي أفنى فيها حبه للأخضر تتلألأ في وهج ليلة الخميس. سأحاول أن أجمع كل مشاهد العشق لصحار وأعيد ترتيبها بجانب القمر ليضيء للعالم أجمع هذا الحلم الصحاري المتقد..
لو كنت روائيا:أظنني سأعجز عند حدود الهجاء الأولى لصحار. وسأتلعثم عند أولى محاولات وصف صحار في هذا الأسبوع. لو كنت روائياً سأحاول بكل ما أوتيت من عزم الأبجدية أن أتخيل ليلة خميس تزهو بصحار ويطرب فيها محمد عبده على نغم الصحاريين: “وين أحب الليلة وين.. وين أحب ووين أهيم”..!!