جماهير صحار

حيث للجمهور معنى

ادبيات

ما الذي ينقص صحار اليوم ؟!

  

كتبه / مبارك بن خميس الحمداني

 

ربما أكون أسهبت الحديث في مقالات سابقة وأطروحات مختلفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن تحليل البنية الاجتماعية في صحار وعن النشاط الرياضي والشبابي والمجتمعي بوجه عام في الولاية. ولست أتحدث لكوني من أبناء الولاية فحسب. وإنما لطرح أنموذج لصناعة الولاية المتحضرة على مستوى كافة الولايات وفهم بنية هذا الأنموذج اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا. ولكننا نطرح السؤال اليوم كما كنت أتساءل مع بعض الزملاء في مواقف عديدة. ما الذي ينقص صحار اليوم ؟!

 

وحين أتحدث عن هذا الطرح فإنني لا أرمي للحديث عن جوانب النقص التنموي الذي هو محصلة (الفعل الحكومي) على مستوى المشاريع والخدمات وغيرها. وإنما على مستوى (فعل التحضر) الذي تشترك فيه الدولة والمجتمع بصورة متكافئة بحيث يتساند الطرفان لخلقه وتفعيله.

وقد تحدثت في مقالة سابقة عن السياحة كأنموذج لهذا الفعل ووضحت كيف يمكن خلق شراكة حقيقية بين الدولة والمجتمع لإنجاج وتفعيل العمل في هذا القطاع عبر الفرق الشبابية أو الكفاءات المتطوعة في مجالات التسويق السياحي وغيرها. ولكننا لنعود اليوم إلى السؤال الأساسي ولنلقي نظرة سريعة على الولاية في إطار خط سيرها الحضاري وموقعها الراهن وفاعليتها في المشهد العماني اليوم. فالحديث عن صورة صحار التاريخية إنما هو حديث عن ولاية شكلت ثقلاً رئيسياً في التاريخ العماني ولعبت عبر علمائها وآثارها الثقافية دوراً محورياً في رسم صورة العلم والثقافة والمعرفة ليس في عمان فحسب وإنما في محيط العرب. وعلى المستوى السياسي كانت الولاية ولا زالت مركزاً مهماً ساهم في إحداث تحولات جذرية على مستوى السلطة والفعل السياسي. وإذا ما تحدثنا عن الجانب الإقتصادي فبروز صورة صحار في مصادر تاريخية ومخطوطات ووثائق عديدة حكت قصة التجارة والإقتصاد فيها أمر مفروغ منه وليس أدل وأجمع وصفاً لمركزية المدينة مما قاله المقدسي في وصفها : “صحار هي قصبة عمان، ليس على بحر الصين بلد أجل منه، عامر، أهل، حسن، طيب، نزه، ذو يسار وتجارة، وفواكه وخيرات. أسواق عجيبة، وبلدت طريفة، ممتدة على البحر. دورهم ممتدة على البحر. دورهم من الاجر والساج، شاهقة نفسها، ولهم آبار عذبة، وقناة حلوة. دهليز الصين، وخزانة الشرق والعراق، ومغوثة اليمن”.

إذن أغلب المصادر التاريخية والمشاهدات الحادثة اليوم تدلل على قيمة الولاية وجذريتها في التاريخ والواقع العماني ومما يضاف إلى ذلك تحولها اليوم إلى واجهة صناعية واقتصادية ذات دور محوري في صياغة واقع الاقتصاد العماني المعاصر.

كل هذه الإرهاصات تقودنا إلى القول بأن هذا الثقل التاريخي والسياسي وهذا الموروث الثمين على مستوى أدوات الفعل الحضاري يجب اليوم أن يطبع تجلياته في صياغة (الوعي المعاصر) لأبناء الولاية, وكذلك تصدير مفرزات هذا الوعي إلى المحيط العماني ولم لا المساهمة في المشهد العربي. ولكن يبقى السؤال / ما هي الأدوات اللازمة لتفعيل هذا الوعي وتحويله إلى واقع معاش وإلى فعل حضاري يتجسد في الذهنية العامة لأبناء الولاية وينطبع على سلوكهم وفعلهم المجتمعي..؟

 

في الحقيقة إن ذلك لا يتجسد دونما وجود (مشهد ثقافي حقيقي) وهو في تقديري (ما ينقص صحار اليوم) كولاية حاضرة وذات ثقل حضاري معهود. إننا في صحار اليوم وتحديداً في القطاع الشبابي استطعنا من إبراز كوكبة من الشباب الفاعل في مختلف المجالات رياضياً وفنياً وإعلامياً وريادياً, ولكننا لم نستطع حتى الآن -في تقديري- خلق مشهد ثقافي فاعل يحتوي أبناء الولاية ويساهم في خلق وعيهم المعاصر ويدفعهم هم أيضا في صناعة هذا الوعي استناداً إلى تاريخية الولاية ومعطيات واقعها المعاش.

نحتاج في صحار اليوم إلى كتاب ومثقفين يناقشون الشأن العام في الولاية ومتغيراتها وينطلقون لمناقشة الشأن العام في السلطنة ومنه إلى الإسهام في طرح قضايا فكرية عامة أو حتى متخصصة في السياق العربي خارج الحدود. نحتاج إلى مثقفين يسهمون برؤاهم خارج حدود الولاية والوطن. يناقشون القضايا المصيرية ويكونون حلمة سراج النور لقطاعات عريضة من شباب الولاية وأهاليها..

 

نحتاج إلى فاعليات ثقافية حقيقية بعيداً عن الأطر المظهرية وعن جلسات (الشعر التجاري) – مع كامل الاحترام لأصحابها – نحتاج إلى فعاليات قرائية وجلسات حوارية ثقافية يقودها وينبري لها مثقفون حقيقيون وليسوا أدعياء للثقافة أو جماعة (بتاع كلو).

 

نحتاج إلى مبادرات فاعلة لإيجاد مكتبات عامة قرائية كما هي المبادرات الداعمة دوماً للأعمال التطوعية وللأنشطة الرياضية. وعلينا أن نترك التعلل بأن شباب الولاية (غير قارئ) ففي تقديري أن جدلية من يأتي قبل من (هل القراءة أولاً أم المكتبات) هي جدلية محسومة لصالح البنية الثقافية والمشهد الثقافي الحقيقي الذي بلا شك سيقود أطياف مختلفة من أبناء الولاية للدخول في المشهد والاحتكاك به والإسهام في مسيرته.

 

لا شك بأن الولاية تضم من النخب العلمية والثقافية الكثير. ولكننا اليوم نفقتر إلى المشهد الثقافي الذي يحوي مثل هؤلاء ويساهم في إدماج وعيهم الفردي لخلق وعي جمعي معاصر ويساهم كذلك في دفعهم لخلق مجتمع ميال إلى الثقافة والمعرفة أكثر من كونه ميال إلى المظاهر والكماليات. إن المثقف والفعل الثقافي هو بالضرورة صمام الأمان بالنسبة لأي مجتمع كان. سواء مجتمع كبير أو مجتمع محلي ذو ثقافة فرعية. “وإذا لم يُدرِك المجتمع هذه الحقيقة الضامنة لاستقراره، فإن أي أزمة، فكرية كانت أو سياسية، ستُطوّح به بعيداً دون أن يَجِدَ من يتصدى لها ويسانده في تخطيها..”

 

أقول ختاماً أن هذا الرصيد التاريخي والثقافي الذي تستند إليه الولاية لا بد أن يجسد إلى وعي معاصر وهذا الوعي لا يثمر فعلاً حضارياً إلا إذا كان بصورة جمعية. وذلك لن يتأتى إلا بدور حقيقي لإيجاد مؤسسات ثقافية ومشهد ثقافي حاضر يفعل برامج وأنشطة ثقافية ومعرفية جادّة وقريبة من أفراد المجتمع ، يتحقق من خلالها لم الشمل بين النخب وعموم المجتمع ويصنع فيها المثقف الحقيقي.